يلاحظ المتابع للقنوات الفضائية العربية اختصاص كل فضائية بـ»لوجو» مُعيّن تمتاز به عن غيرها من الفضائيات، وبه تُعرف، ولاشكّ أن هذا اللوجو العنوان للنصّ. وفي حين تتراكم القنوات، عاماً بعد آخر، ويفترض بهذا التزايد أن يقود إلى الفرادة، إلا أننا نلحظ التقليد في المحتوى، ما يبرر السؤال حول الشعار الذي يجعلك تعرف القناة التي تتابعها لمجرّد رؤيتك له متربّعاً على إحدى زواياها، ومدى اعتماد قنواتنا العربية في تصميم شعاراتها على مُنجز جرافيكي بصري يراعي التناغم بين الدلالات الزخرفية الموجودة في الشعار، ومرتكزاً على ثقافة مرجعية مستمّدة من عروبتنا، ومرتبطة بذاكرتنا البصرية، وباعثة على ارتياح المُشاهد لها، وما هي الفضائيات التي نجحت في ذلك، أو التي أخفقت فجاءت شعاراتها ضمن تشويش بصريّ لا يعبّر عن هوّيتنا ؟
قناة «المستقلة»
أوضحت المذيعة في قناة السعودية الثقافية، نهى الناظر، وجود قنوات كثيرة أخفقت في تحقيق جماليات الأستديوهات والديكورات، فأصاب اللوجو من هذا الإخفاق نصيبٌ. وبيّنت أن فضائية المستقلة، كقناة قديمة ومعروفة، لاتزال اللمسة البدائية طاغية فيها، بالإضافة للقنوات الإفريقية «ثمة انحدار في الرؤية الإخراجية، ما انعكس على تسطيح المُشاهد العربي الآخر الذي سبق هذه الدول في رؤيته، وقيمته اللونية، والجماليّة، لكن أغلب الفضائيات والمؤسسات الحكوميّة والأهلية استغنت عن اللوجو اليدوي، واعتمدت على الجرافيكي، مع العلم أن المصممين المحترفين يعتمدون على رسم اللوجو يدويّاً، أو الخربشة الأولى على الورق، ليتشكّل بروح وتناغم حسيّ، ثم يتمّ تطبيقه، عبر برامج التصميم، سواء نظام الفيكتور، أو البكسل، أو ثري دي.
الهوية الوطنية
وبالنسبة لمفهوم الأصالة، وإقحام التراث، فالفكرة الحديثة متجاوزة، وتنسف كل القيم الجمالية القديمة، لأنها بالنتيجة تعتمد على اللون الرقمي، والاسكتش الأخير، وقد تبدو القنوات الحكومية بشكل عام ذات صبغة رسمية وكلاسيكية، وتعتمد الطابع الوطني الذي يبرز هويتها في اللوجو، كالقنوات السعودية الحكومية، وباقي دول الخليج والوطن العربي، إلى حد ما، في حين تأخذ القنوات التجارية والمتخصصة منحى آخر يتمثل في الصبغة الحداثية». وأرجعت الناظر غياب الخصوصية المكانية في التصميمات الشعاريّة إلى الاتجاه صوب العولمة، ونسيان الهوية الوطنية الخاصة، ممثّلة على هذا بفضائيات من مثل: mbc ،art، وروتانا، وغيرها من القنوات المشهورة التي تحظى بمتابعة عالية ومهمة.
ثبات الشعار
وقال الناقد البصري أثير السادة «الحسابات التسويقية هي محرض رئيس في صناعة هذه النماذج، وهي بمثابة التحريض على مزيد من التبضع الفضائي، عبر قولبة برامج القنوات، لذلك تجري عملية (استدماج) هوية القنوات عبر هذه التصاميم المجردة، بخطوط وألوان زاهدة في التفاصيل، غير أنها غنية بالإشارات المستبطنة التي تريد التشديد على فرادة المحتوى والشكل في هذه القناة أو تلك». وبيّن السادة أن هذه التصاميم تتراوح بين الجدية والمرح، وبين الصرامة والبساطة، أو الزخرفة والتجريد، وكلها تندرج ضمن التباينات الذوقية والوظائفية. وأضاف «ربما كانت الفضائيات العربية أكثر انتباهاً للتأثيرات اللونيّة في تصاميمها، لكنها متورطة غالباً في زخرفيات الخط العربي، تلك الجماليات التي يصبح حضورها متكلفاً ضمن شعار مقيّد في حدود وظائفه، هذه الفسحة الجمالية في بناء الحرف تتحول إلى تزويغات بصرية تُسهم في تشتت كل مسعى لتثبيت الدلالات، ليبقى الرهان على ثبات الشعار في ذهنية المتلقي، واستمرار إحساسه بالألفة معه لا أكثر».
الجرافيكس مثير
وأكّد المخرج في التليفزيون السعودي، فوزي المحسن، أن أولّ ما يلفت نظر المشاهد للشاشة التليفزيونية هو لوجو القناة الفضائية «القنوات الفضائية تعتمد في تصميم شعاراتها على الجرافيكس، كونه يُثير المشاهد، ويشدّه ويسترعي انتباهه، ويجذبه للمتابعة، عكس فضائيات أخرى لا تعتمد الجرافيكس في التصميم، فتأتي شعاراتها باهتة، ثابتة المعالم، غير مثيرة للانتباه، فإن لم يكن المتفرّج على مسافة لا تبعد أكثر من 100 سم عن الشاشة، فإنه لن يلحظ معالم الشعار. وأضاف «القنوات الاحترافية في شعاراتها قليلة جداً ومعدودة، بالمقارنة مع تلك المشوشة للبصر، وأنا كمتفرّج أرغب في مشاهدة شعار مُصمّم بطريقة 3D، أو 2D، ليجعلني أديم النظر على الشاشة، ويعجبني لوجو القناة السعودية الرياضية، بالإضافة إلى قناة (الجزيرة)، و(العربية)». وأيّد المحسن دخول الحرف العربي في تصميم الشعار، فإن استُخدم بالطريقة الصحيحة والسليمة، من ناحية العرض والتقديم، فسيكون أجمل وأشدّ جاذبيّة من الحرف الإنجليزي.
الوظيفة والفن
وعبّرت التشكيلية أزهار المدلوح عن صعوبة الحديث حول وظيفة اللوجو مع ما نشهده من تدفق الفضائيات العربية، وقالت «رغم هذا، لو تنقّلنا بجهاز التحكّم بين الفضائيات الإخبارية، والمنوّعة، وفضائيات الأطفال، فسنجد أن اللوجو يُمثّل في الدرجة الأولى الهويّة الخاصة للمؤسسة الإعلامية التي تبث هذا الخطاب الإعلامي، أو ذاك. وأنا هنا لستُ معنيّة بالخطاب، بل أتحدّث من جهة فنيّة بحتة حول طبيعة الشعار، والرائي لقناة الجزيرة يجدها تمتلك لوجو متميّزاً بالخط العربي المزخرف، مما يُفصح عن الانتماء للغة والثقافة العربية. أما عن الحرفية التصميمية للوجو، فتختلف من فضائية لأخرى، بحسب المستوى الفني والتقني للفضائية. فقناة براعم، وقناة أجيال للأطفال، يبرز شعار كل منهما قيمة لونية جذابة لشدّ انتباه الأطفال، إلى جانب تعبيره عن المحتوى البرامجي، الموجّه لمرحلة الطفولة، فكانتا ناجحتين في تصميم لوجو يختزل ما يُعرض فيهما، ويشير إلى الهويّة العمريّة والثقافية والفنيّة واللغوية للمتلقين، من خلال استعمال الصورة والكتابة معاً» .
صحيفة الشرق السعودية الإلكترونية