أكد الدكتور محمد العبد الكريم، أستاذ أصول الفقه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في تغريدات له في “تويتر” حول الخلاف الدائر حول مسلسل (عمر)، أنه لا بد من التنبيه على أمر بالغ الأهمية، وهو أن الأفعال التي لها قابلية الصلاح والفساد لا يصلح فيها تأبيد التحريم أو تأبيد التحليل، فهي بحسب تحقق الشروط وانتفاء الموانع.
وأضاف العبد الكريم أن “الفاسد الذي لا يقع إلا فاسداً في كل الأحوال والظروف ولا يرتبط بتغير الزمان والمكان لا يقدره إلا العقل الكلي عقل الوحي، وليس العقل البشري”، مشيراً إلى أن “العقل البشري لا يملك تقدير الأشياء على مدى زمني بعيد بل حتى في الزمن الواحد فلا بد أن يقيد في تحريمه أو تحليله في الأفعال التي تكون مصلحة باعتبار أو فاسدة باعتبار. العقل البشري لقصوره يقدر الفساد الجزئي والمصلحة الجزئية في اللحظات الزمنية القصيرة، فإن حكم بمطلق الفساد أو بمطلق المصلحة فهو يحكم على وجود نص صريح، فإن سكت النص فليس له إلا التحريم الجزئي أو الجواز الجزئي”.
واعتبر العبد الكريم فيما عنونه بقراءة أصولية لجدل المانعين والمجيزين أخذت منه 75 تغريدة أن “مقتضى التحريم الجزئي أو الجواز الجزئي عدم التأبيد، وأن محاولة تحريم الأشياء المجتهد فيها مما يجري في عادات الناس ومعاملاتهم تحريماً أبدياً مطلقاً في سائر الأحوال والظروف بالألفاظ الدالة على التحريم المطلق والتشنيع على المخالفين، ووصفهم بالجهل والقصور والشذوذ والخيانة أحياناً وبما لا يليق.. هو نقل للخلاف من دائرة الخطأ والصواب إلى دائرة الهدى والضلال والنفاق والإيمان وهو مسلك شائك قضى على الاعتدال والتوسط”.
الشرع لم يترك المحرمات للاجتهاد البشري
ورأى العبد الكريم أن الشارع الحكيم جرت عادته، خصوصاً في المسائل التي يراد لها التحريم ألا “يخضعها للاجتهاد البشري”، مؤكداً “بل تنص عليها الشريعة نصاً، لمحدودية قدرة العقل البشري في إدراك الفساد المطلق أو الصلاح المطلق، كما في المحرمات الكبرى، كأكل الربا… فهو لا يقع إلا فاسداً فساداً مطلقاً في كل الأحوال والظروف، وكأهم صور الظلم التي نبه لها الوحي، لأنها لا تقع إلا ويقع بها الفساد ولا يختص فسادها في جزء أو في زمن أو في ظرف أو في حال بل فسادها لا يتقيد بتغير الأحوال، فجاءت النصوص فيها مفيدة معنى الإطلاق والعموم”.
وقال العبد الكريم إن المسكوت عنه “عرضة للاجتهاد البشري والتأويل والتفسير، وفيه دلالة على القابلية للصواب والخطأ بحسب الاعتبارات”، مستشهداً بأن “كل المحرمات الكبرى محرمة على الإطلاق، فهي فاسدة بذاتها أولاً. ولأنها لا تقع إلا فاسدة في كل الأحوال والأزمان والظروف، وغير متعلقة بتغير الزمان والمكان، فهي من اختصاص عقل الوحي. وكما جرت عادة الشرع في التنصيص على الفعل الذي لا يقع إلا فاسداً فساداً مطلقاً، فقد جرت عادة الشرع بترك ما لا يقع كذلك للعقل البشري المحدود. إن محدودية العقل البشري تدرك بعضاً وجزءاً من الفعل الذي يقبل التجزئة والتقييد والتحديد”.
واعتبر العبد الكريم أنه يمكن القول إن تمثيل الصحابة “ليس مصلحة مطلقة، أو مفسدة مطلقة”، مضيفاً “الفعل القابل للصلاح والفساد هو فعل قابل للصلاح في زمن دون زمن، أي في جزء من الزمن الكلي، فيمكن إدراك صلاحه أو فساده ما دام في محدوديته”، مؤكداً “ولو كان كذلك لكان من المنصوص الخاص المؤكد والقطعي الدلالة والقطعي في ثبوته غير المحتمل”.
حدود الإفتاء
ورأى العبد الكريم أن “المفتي في حكم تمثيل الصحابة ليس له أن يقرر أن تمثيل الصحابة لا يقع إلا فاسداً في كل الأحوال والأزمان والظروف، وليس لديه من الأدلة ما يكفي، فإذا عجز عن ذلك لجأ للبحث عن الإجماع أو سد الذريعة كي يؤكد فساد التمثيل فساداً مطلقاً، ولجأ إلى وصف مخالفيه بما لا يليق، ولا يمكن أيضاً أن يفتي بأن تمثيلهم لا يقع إلا مصلحة في كل الأحوال والأزمان والظروف”.
واستشهد بأن “العلم والدراية بوقوعه فاسداً لا محالة أو صالحاً لا محالة ولم ينص عليه مع قابلية الفعل للصلاح أو الفساد في زمن واحد باعتبارات مختلفة لا يستقيم أصولياً”.
وفي سياق استشهاده قال العبد الكريم “النصوص لم تنطق بأدلة خاصة في تمثيل الصحابة تعين في تأبيد الصلاح أو تأبيد الفساد وسكوت الأدلة الخاصة عن التبيين مظنة الجواز والاجتهاد، وتمثيل الصحابة من المسكوت عنه، ووقوعه في دائرة المسكوت عنه دليل على قابليته للحسن والقبح والصواب والخطأ بحسب معطيات الإنتاج والدقة في العمل والأمانة والروايات الصحيحة واختيار الممثل البارع.. إلخ، وكل مسكوت عنه وقع في هذه الدائرة مما لا يدخل في الجانب العقائدي المقدس فلا يجوز إخراج الخلاف فيه إلى دائرة الكفر والإيمان والهدى والضلال”.
تضخيم الخلاف إغلاق لباب الاجتهاد
واعتبر العبد الكريم أن ما يحدث ما هو إلا نوع “من تضخيم الخلاف، وإغلاق لباب الاجتهاد، وهو تأبيد للتحريم الذي يختص به عقل الوحي، ولا يجوز لبشر أن يؤيد التحريم والتحليل بالاجتهاد البشري مهما كانت المبررات، فقصور العقل عن الإدراك الشامل والكلي يحصر التحريم أو الجواز فيما لا نص فيه مما جرت به عادات الناس ومعاملاتهم في وضع محدد”.
وختم العبد الكريم بقوله “إن سيرة عمر الفاروق هي من أهم سير الصحابة، وسيرته السياسية على وجه أخص دليل للحكم الراشد. وتأثير الدراما مما لا يخفى على أحد، ولو قُدر أن المسلسل سيثري سيرة ابن الخطاب كاملة دون نقصان تحت إشراف علمي دقيق وبكل أمانة وإخلاص، فسيرته أعظم درس في مواجهة صنوف الطغيان والظلم وتحقيق العدل والشورى وإشراك الأمة في القرار” .
موقع العربية نت