مع بداية العام 2014 تم الكشف عن نية التلفزيون السعودي لإنتاج مسلسل طويل مكون من تسعين حلقة يحاكي الدراما التركية في سرده وأجوائه ويحمل عنوان “عندما يزهر الخريف”؛ وقد تم بالفعل تصوير العمل كاملاً في جدة وأماكن أخرى بمشاركة محمد الحجي وعماد اليوسف وغزلان وتحت إشراف الفنان حسن عسيري وبميزانية عالية يقال إنها تجاوزت حاجز العشرة ملايين ريال. وعندما أصبح العمل جاهزاً للعرض لم نره على شاشة التلفزيون السعودي كما كان منتظراً بل على قناة أخرى!. كيف حصل هذا ولماذا ؟ .
لقد جرت العادة أن تقوم القناة -أي قناة- بإنتاج مسلسل خاص بها، تراهن عليه، وتملك حقوق بثه الحصرية، ولا تسمح بمنحه لأي قناة أخرى إلا بعد أن تبث هي العرض الأول بشكل حصري. رأينا هذا مع مسلسل “عمر بن الخطاب” الذي أنتجته MBC وكان العرض الأول لها حصراً، كما رأيناه في مسلسل “توق” الذي أنتجته روتانا بميزانية كبيرة واحتكرت عرضه الأول. وحتى لو وافقت القناة المنتجة على مشاركة قناة ثانية في بث مسلسلها الخاص فإنها تشترط أن يكون البث متزامناً وأن لا يسبقها أحد في عرض حلقات المسلسل؛ كي لا تخسر فضول المُشاهد ورغبته في اكتشاف تفاصيل العمل .
التلفزيون السعودي خالف هذه القواعد البسيطة المتعارف عليها في سوق الإنتاج الدرامي التلفزيوني ومنح قناة أخرى حق بث مسلسله الخاص بكل بساطة، وذلك رغم أنه كان يراهن كثيراً على هذا المسلسل ويسعى من خلاله لجذب المشاهد السعودي وإعادته إلى “تلفزيونه الأم!” بعد سنوات من الجفاء، ويثبت ذلك حجم الميزانية الكبير والإمكانيات الإنتاجية التي رصُدت له. فكيف يفرط تلفزيوننا العزيز بهذا العمل الذي كلفه الكثير ويسمح لقناة أخرى ببث أكثر من 25 حلقة منه حتى اليوم؟ .
قناة “يا هلا” أوربت شوتايم التي بدأت عرض المسلسل منذ منتصف سبتمبر الماضي، تعاملت مع العملية باحترافية واستطاعت أن تحصد الثمرة لوحدها دون مشاركة أحد حتى التلفزيون السعودي منتج المسلسل. ويتردد أنها فعلت ذلك بشراء حقوق البث من التلفزيون بمبلغ لا يتجاوز المليون دولار، أي نحو الثلاثة ملايين ريال، وهو مبلغ لا يصل إلى ثلث قيمة إنتاج المسلسل. كما يتردد أنها شاركت في إنتاج العمل، وسواء فعلت ذلك أو اكتفت بشراء الحقوق، فإن عرضها للمسلسل يمثل ضربة للتلفزيون السعودي وخسارة فادحة .
أخطأ التلفزيون السعودي عندما اعتقد أن تشفير قنوات أوربت شوتايم لن يؤثر في انتشار المسلسل. في هذه اللحظة تتناقل عدة مواقع إلكترونية حلقات المسلسل وتقدمها للمتصفحين يوماً بعد يوم. ببساطة احترق المسلسل وأصبح مكشوفاً ولا معنى لعرضه مستقبلاً على شاشة التلفزيون السعودي. من سيتابع مسلسلاً تسرب إلى فضاء الإنترنت وشاهده الجميع ؟ .
هنا نسأل: من الذي أشار على التلفزيون السعودي بهذه الخطوة “الخاطئة” التي جعلته يخسر مسلسلاً ذا ميزانية عالية؟. ألم يكن في وسع مسؤولي التلفزيون اشتراط البث المتزامن مع قناة “يا هلا” كي لا يخسروا المُشاهد؟. ثم كيف نجمع بين حرص التلفزيون على إنتاج المسلسل رغم تكلفته العالية وبين تفريطه السهل بهذا المسلسل لصالح قناة أخرى مُنافسة؟. ومهما كانت الأجوبة فإن ما قام به التلفزيون السعودي خطأ فادح وقد يكون أكبر خطأ يرتكبه في الفترة الأخيرة .
بقلم : رجا المطيري | صحيفة الرياض السعودية الإلكترونية