يمتلك التلفزيون السعودي ميزة تميّزه عن بقية القنوات وهي أنه ليس مطالباً بتحقيق أرباح من برامجه ومسلسلاته . إنه ينتج بارتياح ويصرف من ميزانية سنوية ثابتة مقررة من الدولة ولا يعاني من الضغط الواقع على القنوات الخاصة التي تعمل تحت هاجس تحقيق الأرباح بأي طريقة كانت.
عندما ينتج التلفزيون أعمالاً مثل “بنق” و”ديلفري” و”شباب البومب” فليس لأحد الحق بأن يحاسبه في نهاية السنة عن الأداء التجاري لهذه المسلسلات وكم حققت من أرباح من الإعلانات أو المبيعات لقنوات أخرى, فالمطلوب منه الإنتاج والعرض فقط دون النظر لأي اعتبارات مادية, وهذا ترفٌ يتمناه أنصار مبدأ “الفن للفن” في العالم كله؛ أولئك الذين يحلمون بمن يمنحهم المال ليصنعوا الفن الذي يريدونه دون أن يطالبوا برد المال.
هذه الميزة تمنح التلفزيون السعودي فرصة تاريخية لتقديم أعمال خالدة يذكرها الجمهور ويفخر بها الوطن؛ أعمال فنية تصنع بمعايير عالية وبجودة وتركيز وإحكام شكلاً ومضموناً, لكنه عوضاً عن ذلك يذهب لإنتاج أعمال كوميدية استهلاكية لا تبقى في الذاكرة, يريد بها منافسة القنوات الخاصة التي تعمل في سياق آخر مختلف تماماً.
القنوات الخاصة عندما تلجأ للأعمال المثيرة والسطحية فهو لاعتقادها أن هذه النوعية هي الأكثر جاذبية للمشاهد والمعلن. إنها ترضخ لضغط السوق وتتنازل عن القيم الفنية في سبيل الحصول على أعلى نسبة مشاهدة ممكنة, ولولا ضغط العامل الاقتصادي لما رأيت قناة MBC تعرض برنامجاً مثل “طارق وهيونة” ولما تبنّت روتانا خليجية سلسلة درامية مثل “هوامير الصحراء”.
البحث عن الربح هو الهاجس الأكبر للقنوات الخاصة وهو الذي لا يجعلها تفكر بطريقة سليمة. بالطبع هناك استثناءات جميلة مثل تجربة روتانا خليجية مع مسلسل “توق” الذي تم إنتاجه لأهداف فنية خالصة وبرغبة شخصية من مديرها الأستاذ تركي الشبانة, ونفس الحال بالنسبة ل MBC مع مسلسلات “الزير سالم” و”الملك فاروق” و”عمر”. لكن إجمالاً يبقى الشرط الاقتصادي الصارم هو المحرك الرئيسي لهذه القنوات.
التلفزيون السعودي ينبغي عليه أن لا يفكر بهذه الطريقة التجارية لأن مصدر تمويله مضمون من الدولة ولا أحد يطالبه بتحقيق نسب معينة من الأرباح لاستمرار تشغيله. إنه باق ومستمر بغض النظر عن وضعه المادي, وهذا وضع مريح جداً للمسؤولين عنه يمنحهم فرصة لتقديم الأفضل دائماً.
ما نتمناه أن يضع التلفزيون السعودي مبدأ “الفن للفن” نصب عينيه, ليصنع أعمالاً سعودية ممتازة ومنافسة تأخذ مكانها في سجلات تاريخ الدراما العربية. نريد أعمالاً بقيمة “ليالي الحلمية” و”درب الزلق” و”الزير سالم”, والتلفزيون قادر على تحقيق هذا الحلم طالما أنه لا يعاني مادياً مثل القنوات الخاصة ولا يرضخ لمتطلبات السوق القاسية. كل المطلوب منه أن يخطط جيداً لتحقيق هذا الهدف.
بيننا الآن وبين رمضان المقبل سنة كاملة, وحتماً سيقدم التلفزيون أعمالاً خاصة برمضان, ورغم هذه الحتمية إلا أن التعميدات ستتأخر –كما العادة- إلى ما قبل رمضان بثلاثة أشهر ثم يبدأ المنتجون ب”سلق أعمالهم”. التخطيط الجيد يعني أن تفكر من الآن ما الذي ستعمله في رمضان المقبل, أن تحدد المنتجين, وأن تحدد الأفكار, وأن تضع وقتاً كافياً لكتابة السيناريو وللتصوير وللمونتاج, والمهم أن لا تنتج عدداً كبيراً من المسلسلات السيئة, يكفي أن تنتج عملاً واحداً أو عملين بجودة عالية. إذا فكر التلفزيون بهذه الطريقة فنستطيع أن نقول حينها: إنه يصنع التاريخ .
بقلم : رجا المطيري | صحيفة الرياض السعودية الإلكترونية