قبل سنوات كتبتُ سلسلة مقالات عن “جهل الممثل السعودي” وعدم معرفته بما يدور حوله من تطورات فنية، وقلت بأن فنانينا منغلقون على أنفسهم، لا يتابعون الأعمال العالمية، ولا يقرأون كتباً ولا روايات، ولا حتى أخبار المشهد الفني العالمي. وقد واجهت حينها عاصفة من الهجوم من كثير من الفنانين، ورغم أني أعذرهم على ردة فعلهم، وأعترف بأنني قسوت عليهم قليلاً، قسوة الناصح المحب، إلا أن الحال بقيت على ما هي عليه، ولا يزال الممثل السعودي “جاهلاً” بما يدور حوله.
وقد اتضحت إشارات هذا “الجهل” في مستوى الأعمال السعودية التي عرضت في رمضان الحالي، إذ لا يمكن لفنان واعٍ مطلع أن يجرؤ على تقديم عمل مهلهل متهالك لجمهور واسع الاطلاع مثل الجمهور السعودي الذي يتابع روائع المسلسلات الأجنبية إلى جانب جديد السينما العالمية. فكيف بمن شاهد المسلسل الأمريكي Fargo وأعجب ببنائه السردي الفخم أن يقبل –مجرد قبول- مشاهدة “المُبَاشرة الفجة” في مسلسل “خميس بن جمعة”؟. وكيف بمن أعجب بدقة العناية بالتفاصيل في سيناريو المسلسل العظيم Breaking Bad أن يقبل انتهاك المنطق الدرامي في مسلسل “كلام الناس”؟.
لو أن (الممثل/المنتج) السعودي على دراية بما يجري حوله لأدرك أن الجمهور الذي يخاطبه الآن ليس هو نفس الجمهور الذي كان يخاطبه قبل ثلاثين أو أربعين سنة. لقد تغير كل شيء وازداد الوعي وأصبح الجمهور السعودي رائداً على المستوى العربي في متابعة آخر إنتاجات الدراما العالمية. لو أدرك الممثل هذه الحقيقة البسيطة لخجل من نفسه ولما جرؤ على تقديم أعماله بهذا المستوى الهزيل.
قلنا هذا الكلام منذ عشر سنوات تقريباً، عندما تفشّت حمّى مسلسل “بريزون بريك” بين الشباب السعودي، ومسلسلي 24 ولوست. كان المشهد حينها يقول بأن الجمهور يتغير ومزاجه يتطور للأعلى بسرعة كبيرة، وقد حذرنا المنتجين ونبهناهم إلى ضرورة مواكبة هذا التغير وتطوير أدواتهم حتى يستطيعوا –مستقبلاً- تقديم أعمال تقنع هذا الجمهور المثقف؛ لكن لا حياة لمن تنادي.
لقد وضح في رمضان الحالي أن قناة الاتصال بين (الممثل/المنتج) وبين الجمهور مفقودة تماماً، فالممثل في واد، والجمهور الذي يخاطبه في واد آخر. كل واحد من الطرفين لا يفهم الطرف الآخر إطلاقاً، الممثل ينتج أعماله وفق وعيه المحدود ويجتهد ثم لا يفهم كيف لا يعجب الجمهور بأعماله ولماذا يواجه هذا السيل الهادر من الانتقاد. والجمهور بدوره لا يفهم كيف يقع “الممثل/المنتج” في أخطاء فنية صريحة لا يقع فيها المبتدئ.
إن أساس المشكلة يكمن في إصرار “الممثل” على عزلته وعدم تثقيف نفسه بالمشاهدة ليواكب وعي جمهوره. مستوى أعماله يؤكد بأنه لا يرى ولا يسمع إلا نفسه؛ جاهلٌ معتز بجهله، ولا يعترف بضرورة تأمل واقع جمهوره ومعرفة ذوقهم ومستواهم. وإلى أن يقتنع بهذه الضرورة، فهو مطالب الآن بالاعتذار عن “العك” الدرامي الذي يقدمه هذه الأيام والذي لا يعبر عن أي ذرة احترام للجمهور .
بقلم : رجا المطيري | صحيفة الرياض السعودية الإلكترونية