في كل عام وعندما يهل علينا شهر رمضان نقوم تلقائيا بإعادة برمجة نظام حياتنا اليومي ليتوافق مع احتياجاتها في هذا الشهر فتنخفض ساعات العمل إلى خمس أو ست ساعات بدلاً من ثماني وتكون البداية في العاشرة وهو تعديل يهدف إلى تمكين الصائم من الصيام بيسر وسهولة، فالعاشرة صباحاً تعني أنه يستطيع أن يخلد إلى النوم خمس ساعات بعد الفجر، والثالثة تعني أن أمامه ثلاث ساعات أخرى قبل الإفطار وهي فترة لتعويض النقص في ساعات النوم لمن لا ينام ليلاً وقبل أن يأتي رمضان بأيام تبدأ الأسر في الاستعداد لإعادة برمجة النظام الغذائي حيث تعتمد على مأكولات لم تعتدها طوال العام وتتناسب مع احتياجات الجسم بعد ساعات طويلة من الصيام بهدف إعطاء الجسم احتياجاته دون الإثقال الوزني وتختفي الكثير من الأكلات في رمضان كالتي تعودنا عليها في أيام الفطر أما في رمضان فعندما تصوم ١٥ ساعة أو أكثر وتفطر ٩ ساعات أو أقل فللجسم احتياجات لابد من إعادة برمجتها.
ونأتي لساعات العبادة فيكون الحرص من الجميع على الصلاة مع الجماعة وصلاة التراويح فترى الكل في رمضان يتحرك بنظام موحد فعندما يؤذن لصلاة العشاء تفتح أبواب الحي ليخرج الآباء والأمهات والأبناء والبنات والأطفال للذهاب إلى المساجد وهكذا في المغرب والفجر للذكور ويبقى الظهر والعصر مرهونا بمكان التواجد ومن أراد أن يختم القرآن مرة في رمضان سيبرمج نفسه لقراءة ٢٠ صفحة كل يوم أو أربع صفحات بعد كل صلاة ومن أراد أن يضاعف زاد بنفس الكمية وفي رمضان تخصص ساعات للزيارات وصلة الرحم وهكذا تتم كل الأمور ببرمجة دقيقة عجيبة ويبدأ الجسم يعتادها حتى إذا رحل رمضان بدأ في الندم على الحرمان من هذه البرمجة والعودة إلى ما كان عليه من التخبط قبل رمضان وسيبقى شأننا هكذا كل عام إلا أن هنالك من يريد أن (يلخبط) هذه البرمجة فيقتحمها محاولاً تعديلها بما يعود بالضرر على أجسامنا وعباداتنا.. فلماذا تفعل بنا الشاشات كل هذا؟.
لو عدنا سنوات إلى الخلف لوجدنا أن الشاشات كانت صديقتنا في رمضان فلا تقدم لنا إلا ما يتناسب مع روحانيات هذا الشهر الكريم ففي النهار مثلاً لا تشاهد إلا البرامج الدينية والأسرية وعندما يأتي المساء تقدم لنا جرعات خفيفة بعد الإفطار ومثلها بعد التراويح ولا يكاد يغيب المسلسل التاريخي عن الشاشات والكل يتفنن في اختيار المواد التي يعرضها والتي لا تتعارض مع روحانية هذا الشهر بل أن بعض القنوات كالسعودية مثلاً بالغت في هذا الأمر لدرجة أننا ولأكثر من عشر سنوات لا يمكن أن نعرض أي عمل بمشاركة نسائية في الفترة من المغرب إلى العشاء، فما الذي حدث حتى تحولت الأمور إلى ما هي عليه الآن؟.
لقد تحولت كامل الميزانيات الإنتاجية المخصصة للعام لترصد في رمضان، إضافة إلى أن الإنتاج الذي لا يعد لرمضان لا يعتبر إنتاجاً ضخماً ومميزاً ما لم يعرض في رمضان وإزاء هذه الكثافة الإنتاجية بدأت القنوات تجتاح ساعات النهار بمسلسلات جديدة وإعادات ولم يعد الترفيه في رمضان مقتصراً على ساعات محددة وضعناها ضمن برمجتنا للشهر بل أصبحت متاحة على مدار الساعة والمشكلة الكبرى أن الأعمال التي تعرض لا تقربنا من رمضان بل تخرجنا منه مع سبق الإصرار والترصد فلقد قال أحد المذيعين في قناة مصرية في معرض تعليقه على ما يعرض من مسلسلات أن البعض منها لا ينصح برؤيته في النهار لأنها من (مفطرات الصيام) والغريب أن الكثير مما يعرض لا تعلم إن كان يدور في مجتمع إسلامي فيندر أن تسمع أذاناً أو ترى صلاة في مشهد والكل يتفنن في الأزياء والماكياج والتصوير في أوروبا وغيرها والكل يفاخر بتجاوزه للخطوط الحمراء.
هنا علينا أن نتوقف فقط لنقول أنتجوا ما شئتم وطوال العام ولكن لماذا تقتحمون علينا هذا الشهر الفضيل بحجة الترفيه عنا؟.
واللوم حقيقة لا يوجه لمن أنتج ولكنه يوجه لمن عرض.
لابد من وقفة لإصلاح هذا الخلل ولا أعلم حقيقة من يجب أن يقوم بها (فلا توجد منظمات حقوقية للمشاهد) تطالب بأن يتم ترحيل موعد مهرجان الإنتاج السنوي إلى غير شهر رمضان وأن يعود لرمضان ما يساعد على إتمام برمجيتنا الجميلة التي تحدثنا عنها في بداية المقال فيصعب أن تكون كامل ساعات البث مسلسلات لا تعرف الخطوط الحمراء وأعني أخلاقياً في المقام الأول وبرامج مسابقات سطحية تافهة عقدت مع القمار صداقة لتحقيق النجاح.
صحيح أن بيدك قرار أن تهجر التلفزيون في رمضان إذا أردت ولكن كم نسبة من يستطيعون قهر شياطينهم ؟ .
المقال بقلم : ماضي الماضي | صحيفة الرياض السعودية الإلكترونية