شهدت السنوات الأخيرة تركيز التلفزيون السعودي على منتجين من بيئة درامية ومنطقة واحدة هي المنطقة الوسطى، حيث يتم تعميدهم لإنتاج المسلسلات الرمضانية وغير الرمضانية ، في تجاهل سنوي للتجارب الدرامية وللبيئات الثقافية الوطنية الأخرى في المملكة، وتحديداً للتجربتين الغربية “جدة” والشرقاوية “الدمام” واللتان حفلتا على مدار أربعة عقود ماضية بروائع درامية لا تنسى؛ إلا أنه لا جديد سوى الإمعان في صم الآذان عن مطالبات الجمهور والصحافة والفنانين في أن يكون التلفزيون وطنياً شاملاً وليس تلفزيون منطقة واحدة فحسب .
الفنان السعودي القدير محمد بخش، وبعد أربعين عاماً في التلفزيون لايزال يجدد مطالبه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، معلقاً: “كثيراً ما طالبت وقلت، من المفترض أن يكون هنالك تنويع وإبرازٌ درامي لثقافات المناطق”. متسائلاً: “لماذا لدينا في كل منطقة تلفزيون ولماذا لا يكون لكل منطقة عمل خاص بالمنطقة نفسها”. مضيفاً: “فمن خلال كل عمل درامي سنتعرف على عادات وتراث وثقافات كل منطقة وإن كان من الصعب أن يرضي كل المناطق”.
ولكن ماذا عن المناطق التي كان لها تجارب درامية مهمة منذ السبعينات وحتى التسعينات، كالمنطقة الشرقية “كمسلسل خزنة” والغربية “كمسلسل ليلة هروب”، لماذا هي غائبة اليوم؟.. يعلق الفنان السعودي، قائلاً: “غاب الدعم، لسبب نجهله، وأول المتضررين من غياب دعم الدراما التلفزيونية هي المنطقة الشرقية والغربية، أين العمل الدرامي في هاتين المنطقتين الثريتين فنياً وإبداعياً؟ لماذا يعمد التلفزيون لإنتاج عمل واحد في المنطقة الغربية وتسعة أعمال من عشرة في المنطقة الوسطى وهو السؤال الذي نوجهه للمسؤول”.
وأكد بخش أهمية تنويع إنتاج التلفزيون السعودي بين بيئات الدراما السعودية ذات التجربة العريقة من الغربية والوسطى والشرقية، “حتى تتبارى” في ما بينها، منوهاً إلى أن هذا الأمر هو المفترض قيامه “وهو العمل الوطني الشامل بأن نرى على مدار العام، ثلاثة أعمال من الشرقية وثلاثة من الغربية وثلاثة من الرياض بالعدل والمناصفة لكي نرى تنافساً فنياً يجذب الجمهور ويطور الدراما المحلية، لكن هذا المفترض شيء والرقابة تحدد شيئاً آخر”. مشيراً إلى أن ثمة منتجاً واحداً يعمّد طوال العام، أو عاماً تلو آخر، في حين أن منتجاً فناناً آخر “ينتظر دون جدوى”.
وهنا يسأل بخش: “لماذا يقيم التلفزيون حالة غبن بيني وبين الفنانين بقصد أو غير قصد، وعملي مقدم ومجاز مثل أي فنان آخر، بل قد أكون سباقاً لتقديمه للتلفزيون لماذا هو يأخذ وأنا استبعد؟”. مشيراً إلى أن حال الفنان التلفزيوني سيبقى في جمود، مضيفاً: “إن عمدونا اشتغلنا وإلا فلا، لكن في نفس الوقت نرى غيرنا يعمد سنوياً ونحن ننتظر وهو سؤال لا نجيد الإجابة عليه لا أنا ولا غيري من الزملاء، خذ مثلاً سمير الناصر وإبراهيم جبر وعبدالخالق الغانم، تعبوا من كثرة ذهابهم وإيابهم من التلفزيون وكم مرة قدموا نصوصاً لكنهم لم يعمّدوا، باستثناء عمل درامي واحد قدمه الغانم قبل عامين في الشرقية وإلى هذا العام لم يعمد المنتج في الشرقية بأي عمل تلفزيوني، بينما في الشرقية يوجد فيها أكثر من عشرين منتجاً”. متسائلاً، مجدداً: “لماذا يهمش عبدالخالق الغانم وهو مخرج وفنان قدير ترك بصماته في صعود الدراما السعودية؟”.
وانتقد بخش التعميد السنوي لبعض المسلسلات المنفصلة والتي تحولت إلى “كليشيه” على حد وصفه، كمسلسل “كلام الناس”. مشيراً إلى أن تخصيص ميزانية الدراما السنوية والتي تصل إلى ما يقارب الخمسين أو ستين مليونا؛ في تعميد خمسة أو ستة أعمال يعد مشكلة المشاكل، مطالباً بأن تتوسع دائرة التعميد لتشمل عشرة أعمال لتغطي كامل جغرافيات الدراما المحلية.
وأكد بخش أن معاناة المنتج في المنطقة الشرقية شبيهة بزميله في المنطقة الغربية، وأيضاً لدى البعض في الوسطى ممن لايزال ينتظر دوره “وقد قدمنا أعمالاً لكن في نهاية المطاف تأتي أسماء معينة لتفوز بالكعكة وتمشي”. أما عن مخاطر فشل الأعمال الدرامية السعودية المنتجة من خارج التلفزيون السعودي، فيعلق الفنان محمد بخش: “نحن ليس لدينا صناعة وتسويق كالموجودة في الخليج العربي وهو ما يتطلب وجود نجوم “شباك”، فمنهم نجومنا الذين يمكن أن أسوقهم إلى الدراما الخليجية وأخرج من مظلة التلفزيون السعودي”. مؤكداً أن الحالات الفردية كدخول مسلسل أو ممثل في الدراما الخليجية، يعد فردياً، لأن المسلسل السعودي لا يجد تسويقاً في الشاشات الخليجية على مدار العام “وهو أمر خطير جداً، لابد أن يتحول الممثل السعودي لنجم مسوق كي يتحرك المنتج الدرامي السعودي ويسوق في السوق الخليجية”.
ويشير الفنان محمد بخش إلى أن المنتج السعودي لا يعاني فقط من التلفزيون بل أيضاً من القنوات “المحسوبة علينا”. موضحاً: “خذ مثلاً MBC، لا تشتري مني العمل المحلي وهذه قنوات تجارية سعودية “محسوبة علينا”، لماذا لا تشترون الأعمال المحلية السعودية؟ لماذا لا نشترك معكم يا أيتها القنوات التجارية ولنكن منصفين، تعالوا لنسأل هذه القنوات التجارية السعودية، لماذا لا تريدون الممثل السعودي ماذا ينقصه؟، يجيبون: بأنه غير أكاديمي وليس متفرغاً ولا محترفاً وأكثرهم موظفون”. ليعلق بخش “وهذه مصيبة أخرى من مصائب الفنان والممثل السعودي، لأني لا أحمل في هويتي وجوازي مسمى ممثل أو مخرج بل متسبب أو موظف في حين كل فنان عربي أو خليجي مكتوب في جوازه فنان أو مخرج أو مصور إلا أنا”. مبيناً أن الفنانين دعوا منذ عقود لافتتاح معاهد درامية لاحتراف الفن إلا أن الحال لم يزل في جمود.
وأخيراً، يجيب الفنان محمد بخش عن جديده، قائلاً، “في انتظار رحمة رب العالمين في أن يرضى عنا التلفزيون السعودي، ويحن علينا ويلتفت لأوراقنا التي في أدراجهم”؛ مشيراً إلى أن عدداً كبيراً ممن ينتظر التعميد هم “منتجون فنانون” وليسوا منتجين تجاراً”. مضيفاً: “لو كنا منتجين تجاراً لذهبنا وعشنا في بلد فيه صناعة ورأس مال، لكننا منتجون على باب الله” وهذه المعاناة عمرها من عمري الفني أي منذ أربعين عاماً خلت “.
صحيفة الرياض السعودية الإلكترونية