وضع منتجي الدراما المحلية يدعو للشفقة. ما يزيد على الثلاثين منتجاً سعودياً يأملون كل عام أن يختار التلفزيون السعودي نصاً من نصوصهم للإنتاج الدرامي، غير أن “التعميد” لا يذهب إلا لعدد معين من المنتجين الذين يكررون سنوياً “كليشاتهم” التي سئمها الجمهور (قالب طاش، محرفاً)، بل وهجرها إلى الاعمال الخليجية والعربية حتى التركية، دونما رجعة .
تدني مستوى الإنتاج الدرامي دائماً ما يُحمّله المنتج السعودي عاتق التلفزيون، مبرراً أن “القناة الأولى” لا تختار المنتجين المعمدين إلا في الوقت الحرج، أي قبل أشهر قليلة من شعر رمضان، تصل إلى الشهرين، كما حدث مع مسلسل “حارتنا حلوة” والذي لم تسلم آخر حلقاته للتلفزيون إلا يوم الثامن والعشرين من رمضان، أي قبل الحلقة الأخيرة بيومين!.
تأخر موعد إعلان المنتجين الظافرين بحصص التعميد والانتاج المحلي، يزيد من الارتباك الذي يولده الدخول في الوقت الضائع، حيث أغلب الفنيين والممثلين ارتبطوا بأعمال أخرى، فضلاً عن أن المنتج نفسه (ممثلاً كان أو مخرجاً أو غير ذلك) من حقه أن يقرر مصيره مبكراً وأن لا ينتظر تعميد التلفزيون السعودي، ثم يخسر العمل معه أو مع القنوات الخليجية الأخرى، لتسويف الوقت، كما حدث لكثيرين.
اليوم الحال تغير، ثمة مُسحة ٌمن التفاؤل الحذر، بعد أن تحول الانتاج الدرامي من وزارة الثقافة والإعلام المشغولة بمسؤوليات كثيرة، إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون، التي وعدت في أكثر من لقاء مع المنتجين أن يتغير الوضع السابق.
والكرة الآن في ملعب الهيئة، والمأمول هو ركلة واحدة إلى ملعب المنتجين السعوديين، مبكراً، ليس ليلمس المنتجون تغيراً بين أداء “الهيئة” عن “الوزارة” وحسب، وإنما لكي تبطل حجج المنتجين، المتكررة، من أن تأخر التعميد هو سبب تدني مستوى ما يقدون من مسلسلات، فضلاً عن أن فضل الشتاء والربيع، هو أفضل الفصول لدخول اللوكيشنات، عربياً، لما ينعكس على الصورة التلفزيونية من جمال الألوان والإضاءة، وحتى راحة طواقم العمل في التصوير والإنتاج.
هذا على مستوى التوقيت الحاسم، أما على مستوى نوعية الانتاج، فلابد للهيئة أن تعيد النظر في شكل النصوص المختارة، وأن تبتعد من القوالب المسبقة الصنع (الحلقات المنفصلة بهذه الطريقة)، تلك الأساليب السمجة والمملة والتي لا تجرؤ على المنافسة ولا تجذب الجمهور.
من هنا سوف تكون هذه السنة، سنة التحدي بالنسبة لهيئة الإذاعة والتلفزيون، في أن تؤكد أنها ليس مجرد تغيير “نظري” لمحتوى مشابه، وإنما تنطلق بقوة في دفع آلية العمل الدرامي نحو التطور، بعد أن ولدت متخففة من عبء البيروقراطية والروتين والتأخير الممل.. بل والقاتل.
الأمر الأخير، يتعلق بجغرافية اختيارات التعميدات، فمن المهم والممتع في آن، أن نرى في التلفزيون السعودي، خلطة من عدة نكهات محلية، أن نكتشف لهجات وصور تطوف فنية من القريات شمالاً إلى نجران ومن جدة إلى الدمام، بأن يضع التلفزيون في اعتباراته الاهتمام، بتقديم مسلسلات درامية، متنوعة، تعكس الثراء الثقافي والاجتماعي والفني لمجتمعات ومدن المملكة وهو بالتأكيد ما سيكون مشوقاً وجاذباً للجمهور السعودي المحب لاكتشاف ما هو جديد ولافت. وهو أيضاً، ما سيتحقق فقط، إذا تذكرنا، أن الكرة الآن، في ملعب “هيئة التلفزيون” والجميع في انتظار أن ترمى إلى الضفة الأخرى .
صحيفة الرياض السعودية الإلكترونية