نبتـعد قـليــــلاً عــن الــدراما حــين نشعر أنها تتحدث عن «آخرين» قد نرى فيهم بعض ملامحنا ولكننا لا نرى أنفسنا. نحن عادة نحدق، نتأمل ونفكر ونطلق أسئلتنا التي لا تنتهي حين تتحدث الدراما عنا بالذات، فنغرق في المشاهدة كما لو أننا نرى ملامحنا في المرآة. هي واحدة من صفات الدراما الأهم إن لم نقل إنها غايتها وهدفها الأسمى: أن يجد المشاهد صورته وشيئاً من حياته على الشاشة الصغيرة يعني أن العلاقة بين فن الدراما وتلك الشاشة إيجابية، أي يمكنها أن تساهم بمقدار ما في تغيير حياته الى الأفضل بالتأكيد .
الدراما التلفزيونية «فن بيتوتي»، ولأنها كذلك يشاهدها أفراد الأسرة بألفة قلّما تتوافر للفنون الأخرى وذلك يعني بين أشياء كثيرة أن يبحث في ثناياها عن لغة مشتركة مع المستقبل الذي يعني هنا كل ما هو أكثر عافية من حياته الراهن ة.
ولدت الدراما واقعية، ربما بسبب ترعرعها في صالونات البيوت الصغيرة وجلساتها العائلية الحميمة. أتذكر البدايات الدرامية العربية الأولى، ومنها «خيال المآتة» (تأليف زكريا الحجاوي بطولة حسين رياض، محمود عزمي وسميحة أيوب وإخراج نور الدمرداش، ومن انتاج العام 1964) و «سداح مداح» وقد شاهدتهما أواخر العام 1967 وهما ينتميان معا الى ما يمكن أن نسمــيه «القـــص الشعبــي»، أي الى ذلك الفــضاء الأقـــرب الى الواقعية أو إذا شئنا الدقة الى المحلية بالمعنى الذي يشير الى هموم اجتماعية تتصل بحياة القطاع الأوسع من الناس .
ولأن التلفزيون فن «التعايش» العائلي مع الدراما البصرية، يمكننا التشديد على قدرته اللامحدودة على اثارة القضايا الاجتماعية على نحو فاعل أكثر من الفنون والآداب الأخرى. والدراما لهذا السبب أكثر من غيرها تشغل ناس أيامنا وتجعل عروض الأعمال الدرامية، خصوصا في رمضان، أقرب إلى مواسم جدل تتجاوز الفن وموضوعاته وأشكاله الى المضامين التي يحملها، ما يجعل المسؤولية أكبر والدور أشد خطورة وتأثيراً .
هل يمكن فناً يحظى بكل هذا الحضور أن يغني خارج السرب ؟
السؤال يتعلق هنا بالتطورات السياسية والاجتماعية العاصفة التي تعيشها البلاد العربية، والتي ستفرض نفسها على نحو واسع وكثيف خلال سنوات مقبلة، ما يجعلنا نعتقد أنها ستكون سنوات دراما مختلفة شكلاً ومضموناً .
بقلم : راسم المدهون | صحيفة الحياة السعودية الإلكترونية