بعد عشرة أعوام عجاف دارت فيها الكوميديا الكويتية حول نفسها باستنساخ برامج تعتمد التقليد وسيلة لكسب المشاهدين، انتقلت العدوى ومن دون سابق إنذار إلى الكوميديا السعودية، التي أطل عدد من نجومها بالأفكار الكويتية ذاتها، ولكن بعناوين جديدة .
صراخ وضجيج وسخرية واستجداء واضح للضحك، يعيد للأذهان الأعمال البدائية والعروض الحية في مدن ألعاب الأطفال السعودية، هي الوسائل التي بَنت عليها أعمال التقليد تلك مثل برنامجي «واي فاي» أو «فايف جي»، تركيبتها اﻷساسية، وبعيداً من إسقاط حذر أو عرض يدفع المشاهد إلى محاولة استنتاج هوية المقلد .
الاستهزاء بالمقلدين ومحاولة استفزازهم والانتقاص من شخصياتهم قبل ما يقدمون، كان أبرز الظواهر السلبية التي أثارت متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً عند الانتقاص من مرضى ومثقفين ورجال دين وغيرهم. المشاهد الذي انتظر من تلك البرامج إضحاكه بالمستوى ذاته الذي قدمته أعمال كوميدية أخرى، وجد نفسه في كثير من اﻷحيان مستفزاً، إلى درجة دفعته إلى انتقاد اﻷعمال وتبني موقف الشخصيات المقلدة، ما يعني أن محاولة الإسقاط تحولت إلى استهزاء مستفز.
نظرة سريعة لبرنامج «واي فاي» تظهر حقيقة ما عانى منه متابعو العمل باست خدام ألفاظ غير لائقة عبر قناة «إم بي سي» التي تحظى بمشاهدة واسعة، إذ وصف أحد الأبطال الشعب العماني بأوصافٍ مستغربة، وكذلك سخريته من المرضى وكبار السن مثل محاولة الممثل أسعد الزهراني تقليد معلق رياضي سعودي معتزل، وتعمد الظهور ببعض حركاته التي تسبب فيها كبر سنه، قبل أن يظهر الممثل بعض أعراض الرعاش، ويقدم له الدواء أثناء الحلقة، إضافة إلى تجربة مشابهة لزميله في الحلقة حسن البلام حين حاول استنساخ لاعب كويتي معتزل يعاني من ضعف النظر وفق ظهور البلام .
«واي فاي» استمد سطوته الجماهيرية التي بدأت في الزوال مع مرور أيام الشهر الفضيل عبر تجربته في الموسم الماضي، إذ حاول الجزء اﻷول منه الإسقاط على القضايا السياسية في توقيت مميز يشهد فيه العالم العربي متغيرات واسعة، لكنه تحول في هذا الموسم إلى تقليد اﻷغاني وإعادة التجارب القديمة متجنباً أي ابتكار .
في المقابل يمر برنامج «فايف جي» على عكس سابقه من دون أثر. ربما يأتي ذلك طبيعياً، خصوصاً أن المتابع قادر على اﻹدراك ومن الوهلة بأن فكرته اﻷساسية انطلقت من محاولة إعادة تجربة «واي فاي» أو منافسته. وعلى رغم المحاولات الجادة للعمل في الدخول على خط السياسة بتقليد نجومها، إلا أنه كرر الكثير من أخطاء التقليد ولم ينل متابعة جماهيرية، أو حتى إبداء رأي فمرّ في غالب حلقاته مرور الكرام.
مع مرور حلقات تلك الأعمال، تتــرسخ عند المشاهد السعودي قناعة، بعجز أبطالها بمن فيهم الشباب عن تقديم مادة مختلفة أو صناعة فارق كوميدي بتجربة جديدة كلياً، فالتهريج كان ولا يزال السلاح الوحيد الذي تقوم عليه تلك اﻷعمال ونجومها، وسط تجاهل تام منهم للبدائل التي باتت توفرها القنوات العربية، عبر نقلها المتواصل لأعمال كوميدية غربية تنطلق من المبدأ ذاته، لكنها تعالج القضايا بما يستثير متابعيها ويكسب إعجابهم ويرسم ابتسامتهم .
بقلم : محمد سعود | صحيفة الحياة السعودية الإلكترونية