في يومٍ واحدٍ فقط أوقفت (هيئة الإذاعة والتلفزيون) ثلاثة برامج حوارية في قنوات مختلفة أحدها في التلفزيون السعودي الرسمي .
وقبلها بأيامٍ قال إعلامي شهير إنه في الإعلام مثل “محرّج البعارين”. فهل عكس ذلك رؤية المنتقدين للبرامج الحوارية التي أصبحت تتقافز أمام أعين المشاهدين في كل القنوات حتى تلك التي تتثاءب فيها الرسائل النصية.
النقاد والمتابعون ربما اقتربوا من الاتفاق على رؤية تؤكد أنه في ظل أوضاع المنطقة والمساحة التي فتحت أمام وسائل الإعلام السعودية، وخصوصا القنوات الفضائية، فقد تسابقت الأخيرة لإنتاج برامج حوارية تتناول عدداً من قضايا الساعة.
وفي الوقت ذاته، فإنه ما بين الفكر والظهور برز عديدٌ من التجارب وبرزت أسماء وانطفأت أخرى.. فيما وجدت برامج أخرى أنه ما من غضاضة في تجاهل المهنية مقابل إثارة تحصد لها الجماهيرية وبالتالي الإعلان التجاري.
– مساحة أكبر للحرية :
المؤكد أن الإعلام السعودي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – حقق قفزةً كبيرةً في سقف الجرأة والشفافية والاقتراب من هموم الناس، إلا أن النسبة الكبرى من البرامج الحوارية وقعت في فخ التوجهات والرؤى الشخصية، كما تؤكد شهادات من داخلها.
حالياً يبرز عدد من البرامج في المشهد السعودي مثل “الرئيس” للمذيع صلاح الغيدان، وبرنامج “نوافذ” للمذيع عبد الرحمن الحسين، كأبرز مثاليْن لبرامج حوارية على قناة رسمية هي القناة الإخبارية السعودية.. فيما على خط الإعلام الخاص تبرز برامج: قناة روتانا مثل (يا هلا) و(في الصميم)، وفي mbc برنامج (الثامنة).
مؤيدو التوسُّع في البرامج الحوارية (التوك شو) يرون أنها أصبحت ذراعاً مهمة في مسيرة الإصلاح الإداري والاجتماعي، حيث يكون الإعلامي السعودي عيناً للمسؤول يرى بها مكامن الخلل.
إلا أن الواقع يوضح أن هناك خللاً ما.. فالكثير ممَّن كانوا ضيوفاً عليها أصبحوا يقدمون الجديد منها، وأصبحت هذه البرامج تطرق كل المواضيع ليعزز معظمها الرأي القائل إن الهدف هو ملء مساحات البث.. بل إن حتى مساحة التوظيف للإثارة والتشويق تخطت ذلك لتكون أحياناً جارحة للسلوك العام.
نسبة لا بأس بها من المشاهدين كانت البرامج الحوارية بما يفوق مقدرتها بأن تصنع وتنفذ الحلول لو ما لم تجد تطلعاته فقد تحولت هذه النسبة من المتابعين إلى مواقع التواصل الاجتماعي.
حول الصورة المهنية يقول د. علي بن شويل القرني رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال ورئيس قسم الإعلام بجامعة الملك خالد: “هناك خياران لوصف ظاهرة البرامج الحوارية وهما: نموذج إشعال الحرائق ونموذج إطفاء الحرائق.. ويتم تقديم الموضوع من خلال الرؤية المتطرفة للموضوع يميناً ويساراً”.
– تهافت كبير :
الاعترافات تأتي من داخل كواليس هذه البرامج.. يقول الإعلامي ماهر العنزي، إنها اتخذت للترقية لـ (مقدم برامج):”أصبحت هدفاً لكل الإعلاميين لكونها تجعله يجتاز مرحلة المذيع إلى مسمى مقدم برامج”.
ويرى “العنزي” أن هناك فارقاً جوهريا “البرامج الحوارية ليست بالسهلة فهي تتطلب الثقافة وقدرة على إدارة الحوار وكاريزما لدى المذيع كي يتقبله المشاهد”.
أما الإعلامي داود الشريان، فيقول في حوار أخيراً :” كل البرامج الحوارية في التلفزيونات العربية متساوية في المستوى لا يمكن تفضيل أحدها على الآخر”.. وفيما استثنى برنامجه (الثامنة) من التصنيف إلا أنه أقرّ بأنه: “ما في شيء اسمه حياد في الإعلام، أنت يجب أن تكون مع أو ضدّ، المهم أن تتكلّم عمّا أنت مقتنعٌ به بموضوعية”.
غير بعيد وضمن محاضرة عُقدت ضمن فعاليات البرنامج الثقافي المصاحب لمعرض الرياض الدولي للكتاب، قال إدريس الدريس مذيع برنامج (الأسبوع في ساعة): “مع توسُّع وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة تويتر، أصبحت البرامج الحوارية مهمة وضرورية”.. مبرراً: “لأن كل فرد أصبح مصدراً للخبر، وربما للشائعة، أو الفتنة، وتهافت الناس على الخبر والمعلومة قلّل من مصداقية الإعلام مع وسائل التواصل”.
من جهتها تشدّد المذيعة هناء الركابي، على أن “أغلب البرامج الحوارية عرضت السلبيات دون الإيجابيات، ما نتج عنه رد فعل عكسي عند عرض أي قضية تهم المجتمع.. يجب تحقيق المسؤولية الاجتماعية التي تتطلب من المحاور الشفافية والوضوح”.
– الخروج عن المسار :
المنتقدون كثر. في مايو 2013م وضمن الجلسة الثانية لمنتدى الإعلام العربي اعتبرت الكاتبة في صحيفة “الحياة” أمينة خيري، أن البرامج الحوارية “رغم نجاحها في رفع السقف المسموح به من خلال طرح مواضيع وذكر تفاصيل لقضايا عن طريق الضيوف غير أنها انحرفت عن هدفها الحقيقي”.
أما كاتب السيناريست علاء حمزة، فيصف 2012 بأنه عام سقوط البرامج الحوارية.. “كان العام المنقضي 2012 كارثياً بالنسبة لمباريات الصراخ العربي المسماة البرامج الحوارية، وهي أبعد ما تكون عن الحوار”.
مضيفاً:” أعتقد أنها خسرت مواقعها في الجبهات المتقدمة من قلوب المشاهدين، وسيتحول الناس في العام القادم إلى البرامج الكوميدية ذات المقدم المتفرد أو الضيف الواحد، مثل برامج كتلك التي يقدمها DavidLetterman” في قتاة CBS الأمريكية”.
من جهته، يصف الكاتب خلدون السعيدان أنموذجاً للانحراف عن المسار من وجهة نظره مستشهداً بأن برنامجاً مثل (الثامنة): “الذي كان بداية لثورة في البرامج الحوارية السعودية لم يعد بذلك التوهج الذي بدأ به وعُرف عنه”، مؤكدا أن البرنامج “اهتزت مصداقيته وأخطاؤه حيث ساق الاتهامات لجهات دون أدلة مقنعة”.
وأضاف السعيدان: “يبدو أن فريق الإعداد الجديد ليس على مستوى حرفية البرنامج ولا يعمل بدقة الفريق السابق, ربما لقلة خبرته ما جعل البرنامج يرتكب أخطاءً في الفترة الأخيرة”.. طبعاً حديث “السعيدان” هو نموذجٌ واضحٌ للخلاف بين مؤيدي برنامج حواري وعشاقه، حيث يرد “الشريان” بتأكيده أن ذلك يأتي ضمن أقاويل (لأعداء البرنامج).
أما الكاتب عبد الغني القش المتألم من وضع البرامج الرياضية الحوارية، فيعول على هيئة الإذاعة والتلفزيون قائلاً: “عند الحديث عن الرياضة وما يعتريها اليوم من حيثيات محزنة فلا بد من التطرُّق إلى بعض البرامج الحوارية التي نشاهدها، التي يلحظ متابعوها عدم اعترافها بأدبيات التحاور”.. مضيفاً: “مثل هذه البرامج تسيء لنا.. فهل تراجع “الرياضية” نفسها وتوقف بعض برامجها الحوارية؟”.
– بين الموضوعية والشخصنة :
وفي ندوة بعنوان “القضايا العربية في البرامج الإعلامية الحوارية .. المصداقية والمهنية” ضمن النشاط الثقافي للمهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته الثامنة والعشرين قال المقدم والمذيع حسن معوض: “عددٌ من الاعتبارات يحول أحياناً دون وصول المحاور إلى قدرٍ كبيرٍ من الموضوعية، بعض البرامج التي تقدم ما يريده الجمهور العام فقط، وكأنها منبرٌ للآراء دون غيرها”.
– صوت مختلف قليلاً :
القانوني خالد أبو بكر: “التحولات المعاصرة التي يشهدها العالم أوجدت كثيراً من العقبات وأفرزت عديداً من التحولات في المضامين الإعلامية عامة والحوارية خاصة؛ ما جعلها في ذيل القائمة اهتماماً من قِبل الفضائيات من جانبٍ، والمشاهدة المتدنية في نسبها من جانبٍ آخر”.
على خط مشاركة المرأة وتجربتها في البرامج الحوارية، تقول د. أميرة كشغري: “مَن يتابع برامجنا الحوارية فيما يتعلق بالقضايا العربية، في رأيي، أن نسبة المصداقية والموضوعية لا تصل في أعلى صورها إلا إلى أقل من 50 % وخاصة فيما يتعلق بوضع الإعلام العالمي تجاه الموضوعية والمصداقية”.
أضافت د. كشغري: “البرامج العربية الحوارية إضافة إلى فقدانها كثيراً من المهنية، تفتقر بشكل كبير إلى الإعداد العميق، وضعف الابتكار”.
في ظل هذه التجاذبات والمشارب المختلفة في النظر للبرامج الحوارية ربما لا يمكن الحسم لطرف ما، سوى للمشاهد الذي يملك الفيصل في الأمر بكل سهولة بالتنقل من برنامج لآخر ساعة يشاء، وهو بذلك في غنى عن الانصات لمطالبات مثل تلك التي تريد التدخل لرقابة أكبر على البرامج الحوارية أو إعادة ترتيب أمورها .
صحيفة سبق السعودية الإلكترونية