من يحدد ما سينتج وما سيعرض على شاشة أي قناة؟ هل هو منتج العمل أم القناة المنتجة أم العارضة ؟ بالتأكيد أن من يمتلك القوة هو من يحدد ما ينتج وما يعرض وهو هنا القناة لا المنتج ولهذا فالقنوات هي التي تحدد شكل الإنتاج العربي لذا لا تصدقون أي منتج يقول انه سيتصدى لأي نوع من الإنتاج فهو يمتلك قرار قبول أو رفض تنفيذ أي عمل لا يتوافق مع توجهاته لكنه لا يملك قرار تغيير شكل الإنتاج ولهذا دعونا نتساءل لماذا لا يرحب بالأعمال الساخرة والتي تحمل الصفة النقدية المباشرة ويرحب بالأعمال ذات الطابع التهريجي؟ والإجابة بكل بساطة أن الأعمال الساخرة تعبر عن رأي نقدي صريح ومباشر بينما التهريجية تحمل صفة الإضحاك وليس النقد ولهذا تقبل القنوات كل ما هو غير جاد رافضة الأعمال الجادة لأنها قد توقعها في حرج مع الجهات الموجه لها النقد بصفتها مسؤولة عن كل ما يعرض خصوصاً اذا كانت القناة رسمية بخلاف الصحافة التي تقول ان ما يكتب فيها يعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن رأيها.
استشهد هنا بمساحة الحرية التي منحت منذ سنوات لمسلسل “طاش ما طاش” والتي يعتقد البعض أنها جرأة منتجي العمل بينما في الحقيقية هي جرأة القناة التي سمحت لهذا العمل فقط بتقديم جرعات نقدية لبعض القطاعات الحكومية وعندها تعرضت وزارة الإعلام وقتها لنقد بعض من طالهم الطرح من الوزارات متسائلين لماذا لا تبدأ الوزارة بنفسها؟ واذكر أن الوزير الفارسي حينها طلب حلقة سريعة لنقد الوزارة ولم يتمكن طاقم العمل من تنفيذها لضيق الوقت فكان البديل حلقة في برنامج حواري في الاسبوع الأول بعد رمضان استضاف الدكتور علي النجعي وكاتب هذا المقال فقط وقرر المحاور إضافة الفنان ناصر القصبي ولم يوفق المحاور من إيصال الرسالة المطلوبة فخرج الحوار عن مساره المرسوم له سلفاً ليتحول لمديح للوزارة بدلاً من نقدها ولهذا أعدنا الكرة في العام التالي في حلقة أخرى اقتصرت على الدكتور على النجعي وكاتب هذا المقال وأدارها استثنائياً الأستاذ ماجد الشبل (شفاه الله وعافاه) وحققت المرجو منها إلى حد ما ولهذا فزمام الأمور دوماً بيد القنوات فهي ليست مجبرة بعرض إلا ما تقتنع به وبيدها تغيير مسار الإنتاج ولهذا كررت في أكثر من مناسبة أهمية البحث عن النصوص أكثر من تكليف المنتجين وهو أمر كان يتبعه التلفزيون المصري مع كبار الكتاب كمحفوظ عبدالرحمن وأسامة أنور عكاشة وغيرهما حيث يتعاقد مع الكاتب لكتابة نص وبعد اكتماله يتم البحث عن منتج ويكون للكاتب دور في تحديد الأسماء المشاركة من الممثلين واختيار المخرج والذي يرى أنهم الأقدر على تجسيد نصه كما رسمه.
لهذا أتمنى على معالي رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الأستاذ عبدالرحمن الهزاع وهو الرجل المشهود له بسماع كل رأي يخدم مسيرة الإذاعة والتلفزيون أن يكون هنالك لقاء سنوي بين الهيئة والكتاب والمنتجين يتم من خلاله عرض وجهة نظر الهيئة في نوعية الأعمال التي ترغب في إنتاجها وموضوعاتها وبمواصفات دقيقة تعدها الهيئة عبر مستشارين يرصدون ما يحتاجه المشاهد وأهم القضايا التي يفترض أن تطرح وهو أمر معمول به في كثير من القنوات الرائدة ووفق هذه الرؤية يتم تقديم ملخصات من الكتاب سواء بطريقة مباشرة يتم من خلالها التعاقد معهم لكتابة النصوص وتبحث الهيئة لاحقاً عن من ينفذها أو عبر منتجين يتولون لاحقاً إنتاج نصوصهم عند اكتمال كتابتها وليس عبر ملخصات قد لا تكتب كما رسم لها وبهذا يكون لدى الهيئة رؤية كاملة لخطط إنتاج العام مسبقاً تحدد هي من خلالها شكل شاشتها وعندها فقط سنرى ما يعبر عنا وعندها فقط سنرى من بيده إيقاف كوميديا التهريج أو استمرارها .
بقلم : ماضي الماضي | صحيفة الرياض السعودية الإلكترونية