«إن استبعدت من العمل في التلفزيون فليس لسوء أدائك بل لذكائك»، ليست هذه العبارة الأكثر صدماً في كتاب يكشف خبايا العمل في برنامج تلفزيوني فرنسي بكل تفاصيلها، سيصدره قريباً في فرنسا الكاتب والفيلسوف الفرنسي الشاب أوليفييه بوريول.
يكشف «أون، أوف»، الذي نشر موقع «بيور ميديا» بعض ما ورد فيه قبل صدوره، خلاصة تجربة قصيرة وقاسية «لمفكر» في التلفزيون. ويقدم تفكيكاً دقيقاً لطرق التلفزيون في «تصنيع» برامج «التوك شو» التي تمزج بين الحدث والمنوعات، وفضحاً لمنطق التلفزيون الاستهلاكي. هنا تكمن أهمية الكتاب، فالكلام عن هذا الوسط الذي لا رحمة فيه وعن «نشوة» السلطة التلفزيونية، والملاحظات عن ضرورة العلاقات الشخصية وأهمية التحلي بشخصية محبوبة، والحصول على رواتب مذهلة لا تتناسب وحجم العمل… أمور معروفة للعاملين في الإعلام كما أن معظمها متداول في أوساط المشاهدين، لكن التفاصيل الدقيقة التي أوردها الكاتب والتي تعرّي سياسة التلفزيون في تنميط الفكر وفي تشكيله، كما في تحويله الثقافة إلى مجرد سلعة هي أكثر ما يثير الاهتمام.
الكتاب عبارة عن تجميع لحوارات ومواقف للمؤلف مع الإنتاج والتحرير والتقنيين العاملين في برنامج «غراند جورنال» (النشرة الرئيسة اليومية) على «كانال بلوس». يبدو اختيار الفيلسوف في البرنامج ليقوم بدور معلق يومي على حدث ما «كنوع من الزينة» تضاف إلى «امرأة شقراء» وغيرها من الشخصيات النمطية. لم يشرح له أحد دوره بل أوردت الخطوط العريضة بسرعة «فلا وقت في التلفزيون» و «كل شيء منظم بالملليمتر». كان عليه أن يتدبر أمره ويأخذ مبادرة الكلام ما أمكنه. فالتلفزيون «كشاطئ مليء بالمصطافين وعليك إيجاد مكانك». توالت على الكاتب بعض النصائح بعد ملاحظة «غيابه» وعدم تحليه بهذه الروح التلفزيونية التي تستوجب منه «الكلام بصوت أعلى من جاره»، و بالمبادرة «للبدء بالكلام قبل أن يكون عنده شيء ليقوله!». وحين أراد الحديث عما يحبه ويتقنه، أي الكتب، كان يجب أن يختار كتاب «حدث»، وأن «يتشمم» الكتب ولا يقرأها، فكيف يستطيع أن يقرأ ثلاثة كتب بين ليلة وضحاها ليحكي عنها في اليوم التالي؟
ويبرز منطق الاستهلاك، وليس التحريض على التفكير الذي يتحكم بالتلفزيون، في منع الفيلسوف من الاستشهاد بأقوال الأدباء والمفكرين، فهذا «يستبعد المشاهدين»، يجعلهم يدركون جهلهم، وكما نعرف فهدف التلفزيون ليس تثقيف الناس والاستعلاء عليهم بل عَكْس صورتهم. كان عليه أن يكون مختلفاً ولكن «دون مبالغة»، فنظام الاستهلاك نمطي. وكان عليه أن يقدم لهم تفكيراً «جاهزاً» على مبدأ الدعاية التي تقدم للمستهلك ما ينتظره وفي الوقت ذاته تشكل ذوقه بما تعرضه عليه. «تذكر حياتك السابقة كي لا تفقد توازنك» كانت نصيحة صديق، لكن الفيلسوف، ومعه التلفزيون، قررا عودته إلى تلك الحياة بعد «فشله» في الانحشار في القالب الجهنمي .
بقلم : ندى الأزهري | صحيفة الحياة السعودية الإلكترونية