تواصل «قنوات الفتنة الفضائية» التابعة لإحدى الدول -أو الخاضعة لها- بث «سموم الكذب والتظليل والاتهامات» عن المملكة ودول الخليج عموماً، عبر قمر «عرب سات»، حيث تضاعف أعداد هذه القنوات -وصلت إلى 40 قناة تقريباً-؛ وتبث «رسائل فتنة» ممنهجة تهدد عقول الناشئة، وتحرّض على «الانفلات»، والإيقاع بين شعوب الخليج، أو تهديد أمن واستقرار المنطقة، وهو ما يتطلب وعياً استثنائياً من شعوب الخليج لحماية منجز «المصير الواحد»، والتصدي ل»حملة الكراهية».
وجسدت تجربة «مملكة البحرين» في إلغاء بث قنواتها الرسمية عبر القمر الصناعي «عرب سات» موقفاً شجاعاً، عبّرت خلاله عن رفضها بث «قنوات الفتنة» على ذات القمر الذي تبث منه قنواتها، حيث تعود ملكيته لمؤسسات عربية بل وخليجية لم تتخذ إجراءاً حيال افتراءات تلك القنوات الكاذبة.
مقاطعة إعلامية
وأكد “د. محمد خيري الشيخ عبدالله” – خبير اقتصادي وأستاذ مخاطر الدولة المساعد بالجامعة الخليجية بمملكة البحرين – أن القرار البحريني المتمثل في وقف بث قنواتها على “المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية (عربسات)” مؤخراً يأتي احتجاجاً على عدم اتخاذ إدارة “عربسات” إجراءات قانونية بإغلاق الفضائيات العدائية والتحريضية المخالفة للاتفاقية الثنائية والمواثيق العربية والدولية، مشيراً إلى أنه لم يأت من فراغ ولم يكن متسرعاً فكما هو معلوم فقد تمت مخاطبة إدارة “عربسات” من خلال مراسلات بين المعنيين من الطرفين ولم تأت بأي نتيجة؛ على الرغم من أن “مملكة البحرين” عضو في مجلس التعاون الخليجي العربي ودول الخليج العربي، وتعد ممولاً رئيسياً للقمر “عربسات”.
وقال: “أتوقع أن يكون هناك ردة فعل مماثلة لدول الخليج، وذلك بإيقاف باقاتها التلفزيونية كما فعلت البحرين، ما سيكون له أثر كبير قد يؤدي إلى عواقب وخسائر اقتصادية استثمارية قد تؤدي إلى إغلاق هذه الشركة”.
وأضاف: “المقاطعة الإعلامية لإدارة عربسات ستؤتي ثمارها، إذ إن الفضاء الإعلامي كبير والمنافسة شديدة في ظل انفتاح العالم على الإعلام بكافة أشكاله، وبالتالي يجب على إدارة (عربسات) إيقاف بث السموم من خلال قمرها وإغلاق قنوات الفتنة الضالة ذات الأجندة المكشوفة للجميع”.
تحقيق أهداف
وذكر “د. طلال بن حسن بكري” – عضو مجلس الشورى – أن للإعلام دور فاعل إيجاباً وسلباً، حيث ان لديه القدرة على توجيه المتابعين له نحو تحقيق أهدافه، مبدياً تأسفه أن تُبث قنوات الفتنة سمومها عبر “عرب سات” و”نايل سات”؛ وهما المملوكتان لشركات ومؤسسات عربية بل وخليجية، مشيراً إلى أن ما أقدمت عليه “البحرين” بشكل فردي ليس مفيداً في التأثير في “عربسات” بعكس لو كان القرار جماعياً من دول المنطقة.
ضوابط الحرية
وأشار “سامي كمال” – رئيس مجلس إدارة نادي مراسلي وسائل الاعلام الأجنبية بمملكة البحرين – إلى أن الحديث عن حرية الرأي والتعبير يستلزم بالضرورة تأكيد أن لكل حرية ضوابط، فحريتك ينبغي أن تقف دائماً عند حدود حرية الآخرين، وإلاّ تحولت الحرية إلى فوضى، مبيناً أن ما نراه الآن من خروقات أو ما يمكن وصفه مجازاً ب “الإنفلات الفضائي” في ظل هذا العدد الهائل من المحطات التليفزيونية الفضائية واختلاط الغث بالسمين، ما يتطلب تنفيذ القوانين بكل صرامة.
وقال: “إذا كان تشويه العقل الانساني بات هدفاً لكثير من هذه الفضائيات، فضلا عما تتعمده بعضها من ترويج الأكاذيب ونشر المغالطات باسم حرية الرأي والتعبير، فإن المبادئ والقواعد التي تحكم اتفاقيات البث الفضائي يجب أن تُطبّق، وأن تتم محاسبة من يتجاوز هذه القواعد والمبادئ”، مبيناً أن القرار البحريني يُمثل خطوة احتجاجية على عدم اتخاذ موقف حاسم تجاه قنوات فضائية لا ناقة لها ولا جمل في الشأن البحريني؛ ومع ذلك تسعى إلى التدخل وتأجيج الصراع وبث فتنة طائفية تهدد السلم الاجتماعي في هذا البلد الذي عرف على مدى التاريخ أنه بلد مسالم.
شروط تعاقدات
وعن مدى إفادة الدول العربية من التجربة البحرينية، دعا “د. محمد خيري” الدول العربية إلى التفكير جدياً في التعامل مع إدارة “عربسات”، وذلك من خلال إملاء شروط تحفظ للتعاقدات بين هذه الدول وبين القائمين على إدارة “عربسات” حقها في المحافظة على الترابط فيما بينها، مطالباً “جامعة الدول العربية” التحرك جدياً من أجل المحافظة على استثمارات الدول العربية في عربسات.
موقف إيجابي
وعن مدى إفادة الدول العربية من التجربة البحرينية؟، طالب “سامي كمال” أن يكون للدول العربية موقف إيجابي في هذا الاتجاه، ذاكراً أن معظم البلدان لا تخلو من مشكلات، إلاّ أن لكل بلد ظروفه وخصوصيته، وليس مقبولاً أن يُقحم بلدٌ آخر نفسه في شؤون هذه الدولة أو تلك، وإلاّ تحول العالم إلى غابة ينشب فيها القوي أظفاره في جسد الضعيف أو الأقل مقدرة على تنفيذ مخططاته.
وأضاف: “لا نريد أن نعود إلى عهود استخدام المذياع لتبادل شن حملات إعلامية بين دول، وما شهدناه في حقب ماضية من تخصيص دولة ما موجة إذاعية لطرف معارض في دولة أخرى ليبث حملاته منها.. هذا الزمن ولّى إلى غير رجعة، ولا ينبغي لنا كدول عربية على الأقل أن نسمح بعودة هذا المشهد مرة أخرى، من خلال فضائيات لا تتحلى بأدنى قدر من المسؤولية أو الصدقية، وتفتقر لأبسط المبادئ والقواعد المهنية”.
إجماع خليجي
وشدد “د. بكري” على أن الإجماع الخليجي تحديداً مطلوب لوقف “حملة السباب والشتائم” لدول وشعوب المنطقة من قبل وسائل إعلامية تحريضية مارقة تبث سمومها عبر ممتلكات عربية وخليجية، ذاكراً أنه لا يوجد موجباً لبقاء تلك القنوات الحاقدة على هاتين الشبكتين العربيتين، وفي المقابل لابد من تعويض القمرين “عرب سات” و”نايل سات” مادياً؛ لتغطية خسائرها جراءّ إخراج تلك القنوات المضللة.
تفعيل الأنظمة
ويرى “سامي كمال” أن وضع حد لهذه التجاوزات الإعلامية يأتي في منتهي البساطة، ولا يتطلب سوى تفعيل القواعد المنظمة للبث الفضائي، وتطبيق هذه القواعد بصرامة، مبيناً أن ذلك لن يمنع القنوات المخالفة من مواصلة مخالفاتها؛ لأننا نعيش عصر الفضاء المفتوح ويمكن لأي قناة الانتقال إلى أقمار أخرى لتبث سمومها من خلالها، من دون أن يكون لمؤسساتنا الفضائية العربية – على الأقل – أن تُسهم وتسمح بوجود مثل هذه القنوات على أقمارها الصناعية وذلك أضعف الإيمان.
وأضاف: “نتذكر عندما ارتأى وزراء الاعلام العرب اتخاذ خطوات جادة لتنظيم هذه العملية ووضع قواعد وميثاق شرف للبث الفضائي، قامت الدنيا ولم تقعد، وانطلقت الاتهامات – من قبل فئة معينة – بسعي الوزراء لتقييد الحريات وفرض الرقابة وغير ذلك من مصطلحات يرددها هواة الشعارات، بينما نجد أن هؤلاء لم يحركوا ساكناً إزاء المخالفات والخروقات التي تبدو واضحة وضوح الشمس في فضائيات تمولها دول وجهات هجوماً إعلامياً على دول أخرى”.
قوانين ضبط
وفنّد “د. محمد خيري” حلولاً تسهم في مواجهة تلك الحملات المؤدلجة، أولها إيجاد قوانين تضبط العمل الإعلامي من غير تقييده ومراعاة الخصوصية لكل دولة، خصوصاً أن الفضائيات والقنوات الاعلامية أصبحت خليطا متنوعا ومختلفا ما بين قنوات إخبارية ودينية، وأخرى خاصة بالأطفال، والأفلام والمسلسلات والترفيه والموسيقى؛ وأصبحت تبث برامجها كيف وحينما تشاء.
وأضاف: “المسألة قانونية بحتة عند توقيع العقود يجب التمعن في بنوده قبل إعطاء الموافقة على ما يتوافق مع خصوصية البلد المشارك، والأهم من ذلك يتمثل في دول الخليج التي لديها من الإمكانات المادية ما قد يُمكنها من الاستثمار بمثل تلك الأقمار وحان حتى امتلاكها حكومياً وليس أفراداً تحت اسم (خليج سات) على سبيل المثال، بحيث تنتقل إليها جميع القنوات الإعلامية العربية”، مشدداً على أن التضليل الإعلامي خطر بمثابة جريمة عُظمى، ولابد من بتر تلك القنوات، واقتلاعها من جذورها لكي لا نكترث من سرطانها المهدد للنشء.
واقترح إنشاء أكاديميات إعلامية تعليمية متخصصة تمنح درجات علمية بالإعلام وبمختلف الدرجات، ويكون فيها برامج متخصصة بالإعلام الإخباري والاقتصادي والرياضي وغيره، بحيث يكون مجلس أمنائها وزراء الاعلام بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وتُدعم من قبل الأمانة العامة لدول مجلس التعاون على غرار “جامعة الخليج العربي بالبحرين” .
صحيفة الرياض السعودية الإلكترونية