لم تبدأ قناة «الغد العربي» بثها من لندن سوى في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، لكن «صيتها» كان سبقها بشهور طويلة، وتحديداً منذ شباط (فبراير) الماضي عندما بدأت المحطة تحضيراتها للبث التجريبي . هذا «الصيت» لم يكن إيجابياً. إذ وُصمت القناة حتى قبل بدء بثها بأنها جزء من « مشروع إعلامي إماراتي لضرب الإخوان المسلمين » .
يسخر مدير القناة محمد بن رشاد من هذه المزاعم، لكنه لا يبدو مستاء جداً منها. «لقد أعطتنا ترويجاً إعلامياً حتى قبل أن نبدأ البث»، كما يوضح لـ «الحياة» في مقابلة في استوديوات «الغد العربي» في غرب لندن. ويشير إلى أن القناة لم ترد على «الإشاعات» التي رُوّجت ضدها، لأنها صدرت في مواقع انترنت «لا تتمتع بصدقية».
لكن «القناة» نفسها أوحت، منذ بدء بثها، بأنها قد تكون جزءاً من مشروع يستهدف تياراً معيناً، كونها أعلنت أن من أهداف إطلاقها «تثقيف» المشاهد العربي، في موقف قد يُفهم على أنه يعني «توعية» المشاهدين إزاء مخاطر يمثلها تيار ما – «الإخوان»، مثلاً. لكن بن رشاد ينفي ذلك تماماً، ويقول: «هناك الكثير من اللغط الذي أثير حول القناة وأهدافها ورسالتها. وهي غير معنية بأن تكون رأس حربة إعلامية ضد أي تيار ديني أو سياسي. فما يهمنا هو التثقيف بمعناه الواسع». وللتدليل على أن القناة ليست جزءاً من «حرب ضد الإخوان»، يشير مدير «الغد العربي» إلى برامجها الحوارية: «كل التيارات والأفكار موجودة في هذه البرامج بما في ذلك تيار «الإخوان المسلمين» والتيار السلفي وتيار الليبرالية وتيار العلمانية. نحن لا نميّز بين هذا التيار وذاك، لكن ما يحصل هو مقارعة للأفكار على الشاشة ونترك للمشاهد فرصة الحكم بنفسه لأننا نحترم رأيه ونثق بوعيه».
ويؤكد بن رشاد أن السياسة التحريرية للقناة لا تُملى عليهم من أي جهة خارجية، قائلاً: «يمكن أن يُسأل أي شخص يعمل في غرفة الأخبار: هل هناك توجيهات لإقصاء تيار على حساب آخر؟ لا، هذا غير موجود. العنوان الرئيس للقناة في مجال الأخبار: أولاً الحياد، ثانياً المهنية الخالصة من كل الشوائب ومن كل تأثير… ثم ان الخط التحريري ملك للمهنيين الذين يعملون في غرفة الأخبار».
وعندما يُسأل بن رشاد عن السبب الذي يربط القناة دوماً بـ «التمويل الإماراتي»، يرد: «هناك عدد من المستثمرين الذين رأوا فراغاً في عالم الفضائيات، واستقطاباً في الساحة الإعلامية العربية وأن القنوات التي كانت رائدة في هذا المجال ربما حادت عن خطها التحريري وتلوّنت بلون معين وأن هناك طريقاً ثالثاً موجوداً يمكنه أن يملأ هذا الفراغ وأن أحسن طريقة لذلك هي ايجاد قناة تحترم خط الحياد والحرفية المهنية في التعاطي مع الأخبار. فالخبر مقدس ويجب أن يصل إلى المشاهد من دون تلوين».
وعن هوية المستثمرين في القناة، يكتفي مديرها بالقول إنهم «عرب»، رافضاً الخوض في جنسياتهم، لكنه يؤكد أنهم لا يتدخلون بتاتاً في خطها التحريري. وعندما يُسأل عن المزاعم حول ارتباط القناة بالقيادي الفلسطيني محمد دحلان، يرد بن رشاد: «هذا جزء مما كُتب وقيل (عند التحضير لإطلاق المحطة). المشكلة في عالمنا العربي ان كل واحد يريد أن يضعك في خانة معينة ويربطك باسم معين. يجب أن نكون مع أو ضد. يربطونك باسم معين حتى يلونوك بلون ما».
ويغمز مدير «الغد العربي» من قنوات عربية شهيرة من دون أن يسمّيها وإن كان واضحاً أن «الجزيرة» قد تكون المعني الأول: «وجهة نظري أن أي قناة تضع نصب عينيها محاربة تيار معين ستكون قناة فاشلة. هناك قنوات لم تكن تحارب أحداً وكان لها صيت رائع جداً بين المشاهدين العرب ولها شعبية غير مسبوقة. بمجرد أن أخذت منحى معيناً واستهدفت تياراً معيناً وساندت تياراً ضد الآخر وأخذت مواقف تحديداً في البرامج الإخبارية والحوارات فقدت الكثير من صدقيتها. نحن لا نريد أن نسقط في مثل هذا الفخ».
وعن مغزى إطلاق القناة في ذكرى حرب 6 اكتوبر، يقول: «كان من المفروض أن ننطلق قبل 6 اكتوبر، لكننا تأخرنا لأسباب تقنية محض. فكان التاريخ الجديد الملائم للانطلاق، إما أول اكتوبر أو بعده. فاقترح أحد الزملاء في غرفة الأخبار يوم 6 اكتوبر لأنها ذكرى يفتخر بها كل العرب. فوافقنا. هذا كل ما في الأمر. لا دلالة سياسية فيها».
وبما أن «القناة خاصة وليست حكومية»، كما يقول مديرها، فإن عليها أن تبحث عن مصادر تمويل لكي تستمر. ويوضح: «ما نسعى إليه في المستقبل عندما نضع اسمنا على الرادار المزدحم بالقنوات المختلفة التي تبث من دول عدة هو أن يكون لنا أيضاً دخل من الإعلانات والرعاية التجارية… وفق الخطة التي وضعناها فسنكون في بداية السنة الثالثة قادرين على الأقل على تغطية نفقات القناة، وبعد ذلك ننطلق إلى المرحلة الثالثة التي تسعى اليها كل القنوات الخاصة غير المدعومة حكومياً وهي أن تدخل سوق الاعلان التجاري في كل العالم العربي».
ويُلاحظ بوضوح من برامج «الغد العربي» خلوها من «النجوم». لكنّ بن رشاد لا يعتبر ذلك نقـصاً، إذ يقول: «نؤمن بأن القنـاة قادرة على انتاج نجومها. فـنـحـن نـعتمد عــلى الشباب وأحد المذيعين لديـنـا لم يتعد عمره 22 سنة… اكتشاف الشباب الواعــد ممكن من داخل القناة مثلما هو موجود في أماكن أخرى… فقط المطلوب التنقيـب عن هؤلاء النـاس وأن تـعطى لهم الفرص لكي يبرزوا ما لديهم مـن قـدرات وملكات وإمكانات. قنـاة «الغد العربي» فيـها من الكفـاءات ما سيجعل منها في غضون سنتين او ثلاث واحدة من أفضل القنوات العربية. هذه القناة ستنتج نجومها بنفسها ولسنا من النوع الذي يستقطب النجوم الجاهزين » .
صحيفة الحياة السعودية الإلكترونية