هذه المرّة، وقعت قناة «الجزيرة» في «الحُفرة التي حفرتها». لم تستطع خبرة المذيع جميل عازار، المديدة والعميقة، إسعافه. ما نفع معه أسلوب التلجلج بالكلام، ولا أنقذه الانتقال من صوت إلى آخر، على اختلاف المشارب، والمواقع، إذ تتالت الدفعات التي ما كان لها إلا أن تودي بالقناة، ومذيعها المخضرم، إلى «الحفرة»، لتهوي إلى قاع لوم النفس، أو ربما لوم الـ «بروديوسر»، الذي رتّب للفترة الإخبارية تلك.
بات من المعروف، لكُثر، أن القنوات الفضائية العربية، وبخاصة الإخبارية منها، تقوم عادة بإنشاء «حُفر» مزدوجة، تستهدف المشاهد أولاً، من حيث إسماعه الصوت الذي تريد. إنها تعمد إلى انتقاء صوت تروم من خلاله إيصال أفكارها، ومواقفها، وسياساتها، في مسعى منها للتأثير في الرأي العام، وصياغته، أو إعادة صياغته، وذلك باعتماد أسلوب أن يكون ثمة من يقول قولها، ويصيغ أفكارها، ويوصل رسائلها، بدلاً من الاتكاء على أسلوب الخطابة أو الوعظ المباشر الذي ينفر منه المشاهد.
وتستهدف الصوت ذاته ثانياً، من خلال استجراره إلى «الحفرة» التي تريدها هذه القنوات، كأن يضطر، على الهواء، وفي دقائق ضيقة، مرتبكة، لممالأتها ومسايرتها، أو على الأقل التخفيف من حدّة لهجته، بما يتناسب وأدبيات ظهوره، من ناحية، أو إجبار الصوت على الدخول في مماحكات مع طرف أقوى، هو المذيع في هذه الحالة… طرفٌ أقوى، يمتلك القدرة على المقاطعة، والتعليق، أو الإسكات في أيّ لحظة يريد، من ناحية أخرى.
ندرك أن العديد من القنوات الفضائية العربية، وقع في مأزق مطاردة الحراك السياسي الذي اتسم خلال نحو ثلاث سنوات منذ انطلاقة موسم «الربيع العربي»، بالفعالية الشديدة، والتغيّرات العاصفة، إلى درجة لا تكاد تتبيّن موطئ قدم! تجد هذه القنوات نفسها على اضطرار فاقع للتقلّب من موقف إلى غيره، ومن حالة إلى نقيضها، تماماً، ارتهاناً لسياسات مالكيها ومموليها وداعميها… ومن دون أدنى محاولة لحفظ ماء الوجه، تتحوّل قناة ما من موقف دعم «ثورة» إلى تأييد «نظام»، فالوقوف بالمرصاد لـ«ثورة» أخرى! وحتى لو أدّى هذا بها إلى دعم جهة سياسية ما هنا، والتصدّي لها هي ذاتها هناك!
يبقى أن الحُفرة التي حفرتها قناة «الجزيرة» للمشاهد والصوت، معاً، وسعت إلى تعميقها قدر المستطاع، من خلال الاستعانة بثلاثة أصوات متتالية، لم تسقط فيها إلا القناة نفسها. فلا أفادها الصوت الأول، لصاحبه حسن نافعة، بما تريد، ولا ساعدها الصوت الثاني، لصاحبه سليمان جودة، بما ترغب. وآن استنجدت به، مؤمّلة نفسها، بأنه المستشار السياسي للرئيس المصري المعزول، سدّد الصوت الثالث، لصاحبه أيمن الصياد، ما يمكن أن نسميه ضربة قاضية للفقرة السياسية تلك، وليدفع قناة «الجزيرة» لتهوي إلى حفرتها.
سيَصدُق مقطع الفيديو الذي انتشر على يوتيوب، مُعنوناً نفسه بأنه «أسوأ أربع دقائق عاشتها الجزيرة»، فليس أسوأ من أن تحفر حفرة، وتقع فيها ! .
بقلم : يشار إبراهيم | صحيفة الحياة السعودية الإلكترونية