أسهم الإعلام الجديد بشكل كبير في تضخيم ظاهرة “الهوس بالجمال” في الوسط الإعلامي خاصةً بين المذيعات، وذلك بسبب طريقته فيما يتابعه عنهن من أخبار وكيفية عنونته وسرده لها، لترى عنوانا بعد حلقة مهمة تقوم بها مذيعة ما يخرج كالآتي: “سخرية هائلة تطول المذيعة الفلانية بسبب مكياجها في حلقتها مع النجم فلان”!
العناوين غير الواعية، التي تقلل من إنجازات العاملات في الإعلام في مقابل شكلهن ومكياجهن وما يرتدينه من ماركات، والمقارنات القائمة على أجمل إطلالة وأجمل فستان بعد كل منتدى أو لقاء إعلامي.!، هي التي حولت معظم مذيعات اليوم إلى “زوائد وألوان وتصنع” بعدما كُنّ “ثقافة وحضورا وأناقة”، لتتحول المنافسة إلى التجميل والزي والماكياج والوزن، بعدما كانت المنافسة على الموضوعات والإنجازات التي يحققنها!
ولأن لكل قاعدة شواذ، فبمعايير الإعلام الجديد.. مع الأسف، أصبحت المذيعة الواعية والمثقفة والجذابة هي النادرة وسط هذا العدد من المذيعات اللواتي يشبهن بعضهن في كل شيء، الشكل والاهتمامات حتى طريقة الكلام، ومن هنا خرجت ظاهرة جديدة، وهي “التنمر”، التي يحاول الإعلام بكل الطرق محاربتها اليوم ولكن دون جدوى.
التنمر تحول إلى ظاهرة عندما تحول كل شيء إلى مظاهر، رغم أن التنمر في حد ذاته ليس حربا نفسية جديدة، بل وسيلة يستخدمها الكارهون أو الحاقدون أو حتى قصيرو النظر لمهاجمة المشاهير والنجوم وإحباطهم منذ زمن طويل، لكن عندما أصبحت المظاهر هي السبب الرئيس للشهرة بما في ذلك المجال الإعلامي، وعندما أصبحت الشهرة في متناول الجميع، تحول التنمر إلى ظاهرة واسعة الانتشار.
مذيعات كثر انتفضن على ما يحدث في مواقع التواصل، وهن يحاولن أن يحاربن هذه الموجة “موجة المظاهر” بعدما كن أول من ركبها، والسبب أن ما يطولهن اليوم من تنمر أفسد طعم الشهرة وأرباحها، لذلك أصبحن ينادين في صفحاتهن بالسلام والقراءة والثقافة وندرة الظهور، وينتقدن المواقع والمجلات التي تتابع أخبار إطلالاتهن، وتتوقف عند أخطائهن أو حتى تلقبهن بالجميلات، حتى إن إحداهن هددت أحد تلك المواقع علناً باللجوء إلى القضاء فقط؛ لأنه لقبها بالمذيعة الجميلة، قائلة: “أنا أكبر من كلمة جمال، أنا عقل وخبرة وإنجازات”!
وبمقاييس الإعلام الجديد، لم يعد مهماً أن تصنع المذيعة مجدها وشهرتها بما تقدمه من برامج تسكن قلوب المشاهدين أو عقولهم، بل بما تلبسه وتأكله وتصوره، ولذلك فالفروق جوهرية بين مذيعة الأمس المسلحة بالعلم والثقافة واللغات وغيرها من أدوات المذيع الناجحة، وبين مذيعة اليوم التي لا تمتلك شيئا من الثقافة! باستثناء قلة قليلة جداً ربما لا يتجاوز عددهن أصابع اليد الواحدة، لا يلقين أي دعم من الإعلام، ولا يشغلن جمهور تطبيقات التواصل الذي لا يشعر بوجودهن أصلاً!.
سهى الوعل – صحيفة الرياض السعودية