يبدو أن «القرصنة» لا تزال تشكّل الداء الأبرز على مستوى القنوات الفضائية، فمنذ أعوام طويلة، يزداد هذا الداء تفشياً، وتتفاقم صعوبة السيطرة عليه، فلا قوانين صارمة استطاعت تقييده، ولا اتفاقات تجمع الفضائيات تمكّنت من الحدّ منه .
ويعدّ الضخ الإنتاجي الذي يمارسه عدد من الفضائيات العربية ذات الانتشار الجماهيري، مصحوباً بتوجس وقلق يتمثلان في سهولة تعرّض ما تقدّمه للجمهور من برامج ومسلسلات للقرصنة، والحصول عليها عبر طرق منوعة تتفق في عدم قانونيتها، الأمر الذي من شأنه أن يقود بعض القنوات إلى التريّث قبل دفع الأموال الطائلة، لدرجة قد يعتبرها بعضهم بأنها استرخاص في الإنتاج.
عمليات القرصنة كانت ولا تزال تحضر عبر قنوات فضائية تستولي على بعض المُنتجات من دون الحصول على إذن من القنوات المُنتجة، فيما تغرق المحاكم المتخصصة في حقوق الملكية الفكرية بعدد من القضايا التي لا تجد طريقاً ممهداً للحلّ المتمثّل في العقوبة والتعويض، لتأتي شبكة الإنترنت وتزيد من صعوبة الحال، فإذا كانت تسهل مقاضاة القنوات بحكم معرفة هويتها، فإن مجموعة من مُعرفات الحسابات في موقع «يوتيوب» مثلاً لا يمكن تحديد ماهيّتها.
وعلى رغم أن كلا الحالتين تدخل ضمن إطار القرصنة، إلا أن ثمة تباين في حال القرصنة الفضائية والقرصنة الإلكترونية، فالأولى يمكنها الاستفادة من أعمال القنوات الأخرى باستقطاب جماهير ومعلنين إليها، في حين تقتصر قنوات «يوتيوب» غالباً على عرض المُنتج وحسب، ما يجعل بعضهم يعتبر ذلك شكلاً من أشكال تقديم الخدمة للمشاهدين وتجنيبهم عناء المشاهدة المقيّدة بالفواصل الإعلانية، والالتزام بمواعيد بث محدّدة.
ويعترف مدير قناة «دبي» الفضائية علي الرميثي، بتأثير القرصنة على القناة من حيث نسب المشاهدة وإقبال المُعلنين، فيما يصف بعض القوانين ذات العلاقة بحقوق الملكية الفكرية على مستوى العالم العربي بأنها «ضعيفة»، موضحاً أن القناة رفعت قضايا عدة نظراً لتعرّض بعض أعمالها للقرصنة، إلا أنها لم تجد الإنصاف القانوني المستحق.
ويقول الرميثي لـ «الحياة»: «نعاني من عمليات القرصنة بين فترة وأخرى، بسبب بعض القنوات الأخرى التي ينقصها الاحترام والاحتراف، إضافة إلى بعض قنوات موقع «يوتيوب». وللأسف أن حقوق الملكية الفكرية في العالم العربي عموماً ينقصها كثير من المعايير الصارمة، لذلك نجد من يمارس القرصنة بكل سهولة ومن دون أن يخشى القوانين. فعلى مستوى تجربة قناة «دبي»، لم نجد ذلك التجاوب الأمثل في كثير من القضايا التي رفعناها، ولم تتحقق تلك التعويضات المطلوبة، وهذا يتطلّب العمل عاجلاً على تصحيح الوضع القانوني الحالي، ليصبح صارماً ورادعاً، ويمتد حتى إلى القنوات الإلكترونية مثل «يوتيوب»، إذ يفترض أن تُقطع الخدمة على القنوات التي يثبت استيلاؤها على أعمال تملك حقوقها قنوات فضائية».
ويتهم الرميثي شركات الأقمار الاصطناعية بتجاهلها لبعض ما تمارسه قنوات فضائية عدة، فهو يرى أنها تسمح لبعض القنوات التي يصفها بـ»الرخيصة» بممارسة القرصنة بأريحية، فيما يطالب بتكثيف التوعية والتثقيف بخطورة هذا النوع من العمليات، وإيجاد معايير وأخلاقيات واضحة فضائياً وإلكترونياً، ويضيف: «مدينة دبي للإعلام تعدّ نموذجاً إيجابياً، فهي لديها شروط واضحة وذات مهنية عالية، لذا فإن القنوات الرخيصة لا تبث منها، في مقابل أن بعض المدن الإعلامية الأخرى تكاد لا تعدو كونها عقاراً، كونها تفتقر إلى المهنية الإعلامية الحقيقية».
وتبدي مجموعة «أم بي سي» من خلال مصدر فيها، استغرابها من تجنّب بعض القنوات الفضائية من الانضمام لتحالف مكافحة القرصنة الذي عُقد بين قنوات عدة في آذار (مارس) الماضي، فيما تعزو ذلك إلى إمكانية استفادتها من بعض عمليات القرصنة.
ويضيف المصدر لـ «الحياة»: «في ظل التطوّر الكمّي والنوعي الذي يشهده قطاع صناعة المحتوى الإعلامي عموماً والتلفزيوني خصوصاً، ولا سيّما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن عمليات قرصنة أو سرقة المحتوى، أصبحت باب رزق غير مشروع لكثيرين، ويتم بموجبه الاستيلاء على محتوى إعلامي معيّن تابع لجهة أخرى، كبرنامج أو مسلسل أو فيلم أو لقاء أو حفلة موسيقية أو مباراة رياضية أو حتى فيديو كليب وغيرها، في صورة يبرز معها عدم الاعتراف بكل حقوق الملكية الفكرية والأدبية والقانونية المُتعارف عليها عالمياً. وتقوم بالتالي بإعادة طرح المحتوى المسروق بهدف الحصول على الأموال أو الجماهيرية على حساب المنتِج الأصلي للمحتوى والمالك الحصري لحقوق الملكية الفكرية، وذلك ضمن حرب تشنّها بعض الجهات والقطاعات الإعلامية على منافسين لها في السوق الإعلامية». ويجد المصدر أن رفض بعض القنوات للدخول ضمن التحالف الفضائي لمكافحة القرصنة، يشكّل داعماً وترويجاً لهذه العمليات، وقد يعكس استفادتها من المحتوى المسروق.
يذكر أن تحالفاً أُبرم في آذار (مارس) الماضي، بين مؤسسات البث ومشغلي الأقمار الاصطناعية، ومزودي خدمات الأقمار الاصطناعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يهدف إلى مكافحة ومعالجة أشكال القرصنة الإعلامية كافة، ويجمع هذا التحالف كل من مجموعة قنوات «OSN»، وجمعية الأفلام الأميركية «MPA»، ومجموعة «MBC»، ودو، و«STN»، و«JMC»، و«نايل سات»، و«يوتلسات»، و«عربسات»، و«نورسات»، و«فيوسات»، في حين رفضت مجموعة «جالف سات» التي تندرج تحتها شبكتا «أوربت» و«شوتايم» الانضمام إلى التحالف في صورة أثارت تساؤل عدد من المهتمين، خصوصاً أن شــبـكة «osn» الــتابعــة للمجموعة أعلنت انضمامها للتحالف .
ويعمل التحالف على مراقبة عمليات القرصنة عبر المحطات الفضائية مع ضمان مشاركة المعلومات المتعلقة بقنوات القرصنة والتعاون لاتخاذ إجراءات رادعة .
صحيفة الحياة السعودية الإلكترونية