ربط الباحث الشرعي، عضو مجلس الشورى، الدكتور حاتم العوني الشريف تجسيد أدوار الصحابة، بمن فيهم الخلفاء الراشدون، بتحقيق ثلاثة شروط، وفي حال تم ذلك، لا مانع من تمثيل أدوارهم، رضي الله عنهم.
وأوضح الشريف في بحث شرعي مصغر، خص به «الشرق»، أن أول هذه الشروط هو عدم وجود كذب أو تشويه لحقائق التاريخ الثابتة، مبينا أن الكذب هو «إيهام السامع أنك تحكي الواقع نفسه، فإذا كنت أنت لا تقصد ذلك، ولا يتوهم السامع ذلك منك أيضا، فليس هذا من الكذب».
واستشهد الشريف بـ»خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطا، وقال عن أحدها: هذا ابن آدم، وقال عن الآخر: وهذا أجله»، موضحاً أن هذين الخطين تمثيل لابن آدم وأجله، ولم يكونا من الكذب.
وقال «إذا عرفنا أن الذي أخرج هذا المثل المضروب عن مسمى الكذب، مع أنه تضمن إخباراً بخلاف الواقع، هو عدم قصد المتكلم الإيهام بخلاف الواقع، وعلمه بعدم وقوع هذا التوهم عند العقلاء، علمنا لماذا كان التمثيل ليس كذبا؛ وهو أنه تمثيل وأمثال، لا يتوهم الناس فيها غير أنها أمثال مضروبة».
وأشار الشريف إلى أن الشرط الثاني لجواز تمثيل الصحابة «إذا خلا من منكرات أخرى، لا يسوغ الاختلاف في إباحتها، ككشف للعورات، أو كذب صريح، بخلاف كشف وجه المرأة والموسيقى اللذين فيهما خلاف معتبر، فلا يحق لمن يرى التحريم فيهما الانكار على المبيح، ولا إلزامه باجتهاده، فضلا عن إلزامه بتقليده، كما هو الواقع اليوم غالبا».
وأفاد أن الشرط الثالث يتلخص في «إذا لم يؤد تمثيل أحدهم، عند غالب الناس، إلى الاستخفاف بما يستحقه الصحابي من مكانة، ولا إلى غلو فيه، يرفعه فوق منزلته»، مبينا أنه «ليس من انتقاصهم، رضي الله عنهم، إظهار بعض أخطائهم، إذا أُحسن عرضها بما لا يؤدي إلى الحط منهم دون منزلتهم. فقد حكى الله تعالى علينا بعض أخطاء الأنبياء والصالحين، فما حط ذلك من قدرهم، وما تمكنت العباراتُ من أدائه، يمكن للمشاهد التمثيلية أداؤه أيضا».
وشدد الشريف على أنه «ليس من انتقاصهم أن يمثل أدوارهم من لا يقارب شأوهم (مكانتهم) في الدين والتقوى، بل ربما مثلها الفساق»، وقال موضحا «كما لا ينقص القرآن أن يتلوه فاسق، بل ربما خشعت القلوب لحسن تلاوته، وكان له أجر تلاوته إذا أخلص النية، فكذلك يكون حال تمثيله دور الصالحين، إذا أحسن أداءه وأخلص النية».
وأضاف «أما شبهة انطباع تصور سيئ عن الصحابي الذي يُمثل، فيما لو شوهد ممثل دوره في دور ماجن في فيلم آخر، فهي شبهة يردها الواقع، فما زال الممثلون يمثلون الأدوار المختلفة والكثيرة، ونجد الناس يتفاعلون مع كل دور منها بما يناسبه، وهذا أمر مشاهد، لا يغالط فيه إلا من لا يشاهد الواقع».
ورفض الشريف اعتبار هذا «التوهم دليلا على التحريم، مؤكدا أن التحريم لا يكون بتوهمات من جنس هذا التوهم. لكن أن يكون هذا التوهم مجرد نقطة سلبية محتملة، وتحتاج مزيدا من الدراسة والتثبت من وزنها، لتوزن ببقية النقاط السلبية والإيجابية للأفلام، فهذا هو مقتضى التورع في الفتوى».
ولضمان التزام هذه الشروط، قال الشريف «لا يكفي أن يراجع العلماء ولجانهم العلمية المعتبرة الحوارات والحوادث التاريخية، بل لا بد من متابعة مشاهد المسلسل مشهدا مشهدا، وبعد الانتهاء منه تماما أيضا، للتأكد من المخرج النهائي، ومن تحقيقه للأهداف المنشودة، ومن التزامه بالشروط المذكورة».
واقترح، للتأكد من نتائج العمل، إذا كان منتجا ذا أهمية بالغة، «إجراء عرض محدود، في بعض قاعات السينما، على شريحة عشوائية، ثم إجراء استفتاء لهم ودراسة عليهم، بعد مشاهدتهم له، لتعديل المشاهد التي يرون أنها كانت ذات أثر غير محمود عليهم».
وخلص الشريف القول «ليس كثيرا على الأعمال الدرامية ذات الهدف الإسلامي أن تبذل في البداية بذلا مضاعفا حتى تستطيع أن تبني لها تجارب ناجحة، يمكنها بعدها أن تستفيد منها، دون حاجة بعدها لكل تلك الجهود والتكاليف التي صاحبت نشأتها الجادة؛ إذا ما صدقت النية، التي لا يعارض صدقها طلب الربح التجاري أيضا» .
صحيفة الشرق السعودية الإلكترونية