كمدخل للحديث في هذا الجانب، نشير الى مجموعة من التجارب والتي يأتي في مقدمتها تجربة أميركية بدأت قبيل الاحتفالات الرسمية بذكرى المئوية الثانية لاكتشاف كريستوفر كولومبوس لاميركا. قبيل ذلك الاحتفال بعشرة أعوام، بدأت التحضيرات لهذه الاحتفالية فكان التحرك وعلى جميع المحاور من بينها الدراما السينمائية حيث تم انتاج مجموعة أعمال، لعل أبرزها «كولومبوس» بطولة النجم الفرنسي جيراردو بارديو، ويومها كان «بوستر» الفيلم عبارة عن خطوة قدم رائد الفضاء الاميركي «نيل ارمسترونغ» في تشبيه على أهمية اكتشاف اميركا ومعادلتها باكتشاف سطح القمر.
وعلى المستوى العربي، استدعت قيادات الاعلام في جمهورية مصر قبيل سنوات عشر، أبرز كتاب الدراما التلفزيونية المصرية ومن بينهم اسامة انور عكاشة ومحفوظ عبدالرحمن وغيرهما، لكتابة أعمال ونتاجات درامية تحذر من «التطرف الديني» و«غسل الأدمغة» وغيرها من الظواهر التي اجتاحت الكثير من الدول، وبعد ذلك الاجتماع بعام تقريبا، كان المشاهد العربي قبل المصري يتابع نتاجات درامية تحلل.. وبعمق التيارات الدينية المتطرفة والارهاب.
هذا يعني، وبشكل جازم أنه لا يمكن عزل الدراما كفن وكصناعة وكقضية عن العناوين المحورية والأساسية التي تعيشها الدول.
ونحن هنا لا ندعو الى «تسييس الدراما» أو زجها في متاهات لا يريدها المشاهد.. بل ندعو الى استثمار «الدراما» والمكانة التي تحتلها عند المشاهد لايصال وترسيخ أهم القضايا مثل «الأسرة الواحدة» و«الانتماء والولاء» ونبذ كل الممارسات السلبية.
حضرت ذات يوم، الاجتماعات التمهيدية لانتاج احد أجزاء مسلسل «افتح يا سمسم» النسخة العربية، بين مؤسسة الانتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وورشة الطفل في «نيويورك» الجهة المنتجة للنسخة الاصلية من مسلسل «شارع السمسم» وكان من الشروط التي وضعت يومها، التأكيد على «حسن الجوار» ولهذا العنوان كثير من الدلالات السياسية التي لا نريد التوقف عندها، ولكن الاشارة اليها في هذه المحطة فقط.
ان غياب العناوين المحورية، هو في الأساس غياب للاستراتيجيات بالانتاج الدرامي المحلي، لأن ما يتم انتاجه، ومنذ اكثر من ربع قرن من الزمان، هو في اطار النصوص الجاهزة وليس النصوص التي تعبر عن تلك الاستراتيجية واحتياجاتها من عناوين محورية وأساسية.
ونشير هنا الى ان أغنية واحدة مثل (انا الخليجي) التي أبدعها الثنائي عبداللطيف البناي والراحل مرزوق المرزوق، مهدت الطريق اعلاميا.. واجتماعيا لما قامت به جميع القطاعات السياسية والاعلامية والاقتصادية لبلورة الفكر الخليجي المشترك ومنظومة دول مجلس التعاون الخليجي.
فلماذا تغيب العناوين.. ولماذا ننشغل بالهامش.. بل بهامش الهامش.. لا نريد أن نستبق الاحداث فيما ينتج من أعمال، ولكن لنا فيما انتج خلال السنوات الخمس الماضية دروسا كبيرة، حيث الغياب شبه التام عن العناوين المفصلية، والتي تعمل على ترسيخ المضامين والخطط والاستراتيجيات الاعلامية على الصعيد المحلي، على وجه الخصوص.
إنها دعوة لمزيد من الحوار في هذا الجانب، حتى لا يأتي اليوم الذي لا نرى فيما يقدم من نتاجات اعمالا لا تمس قضايانا.. ومجتمعنا.. ومستقبلنا.
وعلى المحبة نلتقي
بقلم : عبدالستار ناجي | صحيفة النهار الكويتية الإلكترونية