بعد أن أحجم عدد من القنوات الخاصة في الثقة بقدرة الدراما السعودية على النجاح وفي خطف انتباه المشاهدين، باتت الدراما المحلية في مأزق إنتاجي يعرقل مسيرتها بعد أن اتجهت بوصلة القنوات التجارية نحو كوميديا وتراجيديا الكويت ومصر .
قناة دبي لم تقدم في موسمها الرمضاني المنصرم أي عمل سعودي، ولم تجدد تعاونها مع الفنان عبدالله السدحان ولا مع فهد الحيان مكتفية بما أنتجته لهذين النجمين في السنوات السبع الماضية، وكذلك قنوات MBC التي لم تقتنع بجدوى وجود عمل درامي سعودي يجذب المعلنين وينال إعجاب المشاهدين، لتنتهج سياسة أخرى في تطعيم أعمالها بنجوم سعوديين مثلما فعلت في مسلسل “أبو الملايين” الذي أطل عبره النجم ناصر القصبي إضافة إلى مسلسل “واي فاي” الذي شارك فيه نجوم سعوديون كعبدالإله السناني وأسعد الزهراني وحبيب الحبيب .
وقد كان المأمول من قنوات سعودية خاصة أن تقوم بدور مهم في دعم الحركة الفنية وفي النهوض بها وإبرازها على الساحة الخليجية والعربية لكنها تخلت عنها بعد أن تيقنت بعدم جدواها وتلبية لرغبة المعلن الذي فرض شروطه وإملاءاته، ويرى مراقبون للشأن الفني أنه رغم ما تعانيه بعض الأعمال من ضعف فقد كان المنشود أن يتم احتضان الأعمال السعودية وإبرازها بالشكل الأمثل من خلال السيطرة على تجاوزات المنتجين “تجار الشنطة” وذلك بفرض شروط إلزامية في العقد ليظهر العمل بالطريقة التي تليق بسمعة الدراما السعودية.
حالياً لم يعد هناك من محضن للدراما المحلية سوى التلفزيون السعودي بقناته الأولى إضافة إلى قناة “روتانا خليجية” وبفضلهما حافظت الأعمال السعودية على حضورها في رمضان الماضي .
وهذا ما يجعل الدراما في مأزق صعب مستقبلاً إذا تخلت أي من القناتين عن إنتاج المسلسلات، وعليه فإن المسؤولية تقع الآن على رموز الفن السعودي وعلى جمعية المنتجين السعوديين لاتخاذ كافة التدابير التي تضمن استمرار هذه الصناعة .
وفي هذا السياق عد عدد من المختصين والمراقبين الفنيين وإعلاميين أن غياب المنتج الحقيقي ساهم في عرقلة مسيرة الحركة الفنية، وتسبب في دخول منتجي “تجار الشنطة” و”الممثل المنتج” الباحثين عن المادة فقط ولا يعنيهم المستوى. وهذا ما يؤكده الممثل والكاتب الدرامي سعد المدهش مضيفاً أن ناقوس الخطر قد تم استشعاره من الجميع منذ سنوات، “فالدراما السعودية تم إلغاؤها من قاموس القنوات السعودية الخاصة والخليجية”، واصفاً ذلك بالمأساة التي سيتجرع مرارتها القائمون على الفن السعودي الذين سيجدون نفسهم في الشارع مستقبلاً.. على حد تعبيره .
وأرجع المدهش سبب تدني الدراما السعودية إلى الممثل المنتج وتجار الشنطة الذين أحدثوا فوضى عارمة في الوسط الفني، متمنياً أن يعود المنتج الحقيقي الذي لم يكن يهمه أن يكون بطلاً في العمل بل كان تركيزه وشغله الشاغل تحقيق الجودة الفنية والإخراجية وهذا ما كان يقوم به المنتج ماضي الماضي على سبيل المثال “الذي افتقدنا وجود أشخاص بمثل فكره الإنتاجي” .
وطالب المدهش مسيري القنوات السعودية الخاصة بدعم الإنتاج المحلي واحتضان الدراما والاهتمام بها مع ضرورة أن تحافظ القنوات المنتجة على آلية معينة يتم فيها اشتراط العديد من الالتزامات على المنتج المنفذ كالإطلاع الدقيق على النص ومعرفة كيفية الإنتاج وأبرز الممثلين المشاركين وأن يتم التركيز في الكيف وليس الكم .
فيما يرى الباحث والإعلامي صالح الورثان أن عدم دعم بعض القنوات الخليجية للدراما السعودية يعود لعدة أسباب من أهمها، ضعف الدراما السعودية وتركيزها في المناطقية أكثر من التوجه إلى تقديم دراما أكثر شمولية في تناول الأحداث والمشاكل الاجتماعية المعبرة عن الواقع السعودي بأكمله، كذلك وجود نصوص درامية مفككة وغريبة تقدم من خلال روايات كتاب مبتدئين يحظون بالمجاملة، ما يشوه العمل الدرامي ويدعو إلى النفور منه وعدم نجاحه إعلامياً وإعلانياً، إضافة إلى انفصال بعض النجوم بعضهم عن بعض ما أعطى فرصة لأنصاف المواهب لتصدر المشهد الدرامي بشكل لا يمت للدراما بأي صلة، “ونقولها بصراحة إن بعض قنواتنا الخليجية ما زالت تجامل الدراما العربية على حساب الدراما السعودية دعماً لأسماء تعوّد المشاهد على ظهورها في قنواتنا منذ سنوات، وأتصور أن الحل يكمن في توحيد جهود الدراما الخليجية قاطبة والتركيز في اختيار نصوص تلائم البيئة الخليجية من خلال إنتاج قوي يعتمد على النجوم الكبار بمعية الموهوبين من جيل الشباب”.
ويؤكد الورثان أن نهضة الدراما الحقيقية هي بالعودة إلى النصوص والسيناريوهات القوية من خلال كتاب متخصصين يجيدون قراءة الواقع بعيون نقدية فاحصة “وليس بعيون فاشلة تمتطي مطية دراما المجتمعات الأخرى التي لا تشابه مجتمعاتنا حتى في الزي أو أي نمط من أنماط الحياة”، مضيفاً أن ثمة تزييف مفضوح في تلك الأعمال أدى إلى هشاشتها ورداءة نصوصها وغرابة مشاهدها وتفكك أحداثها، “فالقصة لم تعد قصة، والدراما خلطت بالمشاهد والنصوص المقلدة التي أوغلت في سرد قصص سخيفة”.
وبين الورثان أن المنتجين دخلوا في مأزق العبث في الوقائع وتشويه الحقائق وكتابة السيناريو بشكل ركيك يوحي بإفلاس واضح في تقديم إنتاج يليق بالمشاهدين في عصر الوعي والتقنية الحديثة، “ولعل المضحك في هذه الأعمال إغراقها في تقليد الدراما التركية بشكل لافت، وانفصام السيناريو عن الواقع والأحداث المطروحة في تلك الأعمال الغريبة على واقعنا ومجتمعاتنا” .
وأشاد الورثان بهيئة الإذاعة والتلفزيون بقيادة الأستاذ عبدالرحمن الهزاع التي خطت خطوات جريئة في سبيل احتضان الإنتاج الدرامي المحلي، وأعطت من خلال مشروع إعلامي جديد الفرصة للمنتجين ورموز الفن السعودي بمشاركة أشقائهم من الخليج العربي الفرصة لتقديم أعمال درامية وكوميدية راقية تلامس الواقع وتنطلق من مقومات البيئة الخليجية من دون مبالغة أو تزييف أو حتى قفز على الحقائق والمسارات المجتمعية التي لا غبار عليها .
بدوره أشار الفنان بشير الغنيم إلى أن معظم أعمالنا السعودية فكرتها تعتمد على الحلقات المنفصلة ومواضيعها متشابهة جداً، “وإلى الآن لم نجد عملاً درامياً متصلاً”، لافتاً إلى أن القنوات وجدت جميع المسلسلات السعودية متشابهة إضافة إلى إغراقها الشديد في المحلية، “وهذا الإغراق جيد بالنسبة إلينا لكن عند الآخرين لا يكون مجدياً” .
وأضاف أن الدراما في السابق كانت تعتمد على المعلن السعودي وكل القنوات كانت تطمع به “لكن الأمور في وقتنا الراهن تغيرت”.
وأبان الغنيم أن الدراما المحلية تعاني معضلة عدم تسويقها خليجياً وعربياً بالشكل الأمثل، نظراً لمواضيعها المحلية الخالصة، “فيجب أن يكون هناك إنتاج سعودي خليجي مشترك ليسهل تسويقه على القنوات، كما حدث مع مسلسل “أبو الملايين” الذين سيسوق وينتشر بكل سهولة لأنه عمل خليجي” .
تحقيق : أحمد الأحمد | صحيفة الرياض السعودية الإلكترونية