رمضان على الأبواب.. فنانون يلقون باللائمة على المؤلفين
تشكل المسلسلات التليفزيونية مادة شديدة التأثير على العائلة، وقد يكون تأثيرها سلبياً، أو إيجابياً، فالتليفزيون موجود في كل بيت، وإن لم تراع برامجه وجود الأطفال والمراهقين والراشدين، وتقديم ما يناسب كل هؤلاء من برامج، فإنّ التأثير السلبي سيطغى على فئة الضحيّة، التي يتسرّب إليها التأثير، وتتعاظم مخاطره بالتراكم. بعدما اكتظت الساحة مؤخراً بأعمال درامية تحاكي قضايا مصنفة عالمياً بـ»الإجرامية»، كالسحر، والخطف، والقتل، والاغتصاب، وعقوق الوالدين. مثلاً، حاكى مسلسل «شر النفوس» قضية السحر وسطوته، وكيف سيطر على الطيب الغني، ما جعله يذهب بأمه إلى دار العجزة، وكذلك مسلسل «أسوار»، الذي حاكى في أحد أجزائه قضية خيانة الأخت، ما جعل أخاها الأكبر يدفنها بطريقة شرسة في الصحراء، لتعود بعد ذلك مجنونة ضمن أحداث المسلسل، وينطبق ذلك أيضاً على مسلسل «أيام السراب» الذي تطرق إلى قضايا اجتماعية حساسة، كزنا المحارم، والابتزاز، والنفاق الاجتماعي.
(الشرق) تناقش ما تقدمه المسلسلات السعودية من ظواهر سلبية في المجتمع، مثل السحر والشعوذة والجريمة بأنواعها المختلفة، ووجهات نظر فنانين، ومختصين في علم الإجرام، والطب النفسي .
المؤلفون يدركون خطرها
يرى الفنان الكويتي نايف الراشد أنه على المؤلف الدرامي وضع حد لمكنون القضايا التي يطرحها في عمله الدرامي، موضحاً أن المؤلفين بطبيعة الحال يضعون حدوداً لهذه المشاهد، لمعرفتهم بأنها تعرض على شاشة صغيرة، ويحتمل أن يشاهدها الأطفال، وذوو الاحتياجات الخاصة، أو بعض من يتأثرون بمثل هذه الأفكار.
الفئات العمريّة
من جانبه دعا الفنان عبدالله العامر إلى تصنيف الأعمال حسب الفئة العمرية، لأن ذلك يساعد بشكل كبير في الحد من التأثير السلبي لهذه المسلسلات، مشيراً إلى أنه يجب على المؤلفين كتابة المسلسلات بما يتناسب مع الدين أولاً، ثم المجتمع، ثم المشاهد، وأن فكرة العمل الدرامي تكمن في طرحه للقضية، وليس حلها، فنحن لسنا «حلالين» مشكلات، وإنما نطرح القضية بجوانبها كافة، ليستلمها بعدنا من هو متخصص، ومن يستطيع حلها.
الأطفال والمراهقون
واختلف المؤلفون في وسائل طرحهم لهذه القضايا، فبعضهم اعتمد على أن تكون رسالة المسلسل حول القضية وتأثيرها، بدون طرح الحلول، بينما حرص آخرون على أن يكون عملهم متكاملاً، بداية من القضية وتأثيرها، ثم حلها. من جانب آخر، قد يكون لهذه أعمال تأثير سلبي على الأطفال والمراهقين، حيث إن ما يطرح من أفكار إجرامية في هذه الأعمال يعد رسالة واضحة، لوسيلة عملها وطريقة استعمالها، ثم ينتهي العمل برسالة أخرى تؤكد انتهاءها، وما آل إليه الجاني، وبهذا قد تنعكس هذه الأفكار سلباً على المراهقين، وخصوصاً مع اعتبارات الموضة، والنجومية، والحب المبالغ فيه لهؤلاء الفنانين.
رأي المدونين
يرى عدد من المدونين والمهتمين في المجال الفني، عبر مواقع الشبكات الاجتماعية، أنه يمكن أن تحدد هذه الأعمال وفق تصنيف عمري معين يصنف نوعية العمل ومشاهديه، وبالتالي يمكن تحديد الجهة المستهدفة لعرضه عليها، مما قد يضعف هذا التأثير، أو ينهيه بشكل نهائي.
الإشراف العائلي
ويعتقد المنتج والممثل نايف الراشد أنه على المؤلف الدرامي وضع حد لهذه المشاهد، لمعرفتهم بأنه من المحتمل أن يشاهدها الأطفال، فيتأثرون بالأفكار التي تعرضها المشاهد، وبالتالي ينبغي أن يقوم المؤلف بكتابتها وعرضها بطريقة توضح القضية وتأثيرها وحلها، إلى أن ينتصر الخير فيها، وهنا تكمن الرسالة الحقيقية لأي عمل درامي.
كما يرى الراشد أن تحديد العمل ضمن تصنيف معين يضعف العمل من جانب، ويضعف انتشار رسالته من جانب آخر، فالأمر يعود للإشراف العائلي، ومقص الرقابة، الجهات المسؤولة عن هذه المسلسلات، وبالتالي يقتصر دور المنتج وطاقم العمل على تحديد معالم القضية بالطريقة الصحيحة، وإيصال رسالته بما يضمن وجود القضية وتفاصيلها وحلها، وصولاً بالجانب الخيّر لمجتمعنا، وانتهاءً بما أمر به ديننا الحنيف.
الدين والتقاليد
وأوضح الراشد أنه عندما تطرق لقضية السحر في مسلسل «شر النفوس» في جزئه الأول، كان طرحه للقضية عقلانياً وواضحاً، بحيث وضح الأسباب والمسببات والحل. واختتم كلامه بالقول: مسؤوليتنا كمنتجين تفرض علينا أن نحترم عاداتنا وتقاليدنا ومجتمعنا، وقبل كل هذا ديننا الإسلامي الحنيف. وحرصت، شخصياً، في كل ما قدمت من أعمال أن تظهر الصلاة اليومية في حلقات المسلسل كافة، وأن يكون الطابع الخيّر الملتزم هو الأبرز في رسالة العمل، فهذا حق المجتمع علينا كمنتجين ومؤلفين وممثلين.
الكاتب والرقيب
وأيّد الفنان عبدالله العامر التصنيف بما يؤدي للحد من التأثير السلبي لهذه المسلسلات، وأضاف: يجب على المؤلفين كتابة المسلسلات بما يتناسب مع الدين أولاً، ثم المجتمع، ثم المشاهد، ولذلك هناك ما يسمى دراما اجتماعية، ودراما بوليسية، ودراما عاطفية، ودراما للأطفال، وهذا ما يثبت أن التصنيف موجود أصلاً، ولكنه لم يطبق بالشكل الصحيح. وأضاف بأن تطبيق هذا التصنيف يبدأ أولاً من مؤلف العمل، حيث يعتمد في كتابته على عدم التعمق، وطرح طرق الإجرام، في قضايا السرقة والخطف والاغتصاب، بل يكتفى بالفكرة الأولية بدون التطرق للتفاصيل الكاملة. وأشار العامر إلى أن دور الرقيب في هذه العملية مهم جداً وفعال، ولكنه مع أن يكون منتج العمل هو الرقيب على ما يقدم، فالأجهزة الحكومية عادة ما يتحكم المزاج في أحكامها، ولذلك هناك أعمال كثيرة تحمّلت أعباء كثيرة، وكان مصيرها في الأدراج بسبب المزاجية في الحكم عليها.
مسلسلات للعائلة
ويرى الفنان عبدالمحسن النمر أن محاكاة هذه القضايا من صميم العمل الدرامي، ويجب أن تطرح بكل وضوح ومصداقية لكي تصل رسالتها. وأن تصنيف الأعمال مسؤولية عامة تقع على عاتق المنتج والمخرج والممثل ومسؤولي الجهات الحكومية والإعلام أيضاً، حيث إن فكرة العمل الدرامي تكمن في طرحه للقضية، ليستلمها من بعد من هو متخصص، ومن يستطيع حلها. وأكد أنه لا أحد يستطيع منع دخول المسلسلات إلى المنزل، فهناك اختلاف بين المسلسل التليفزيوني وفيلم السينما، وبالتالي الأمر يقع على عاتق الجميع، ويجب أن يكون هناك وعي عام أكبر من الذي هو موجود حالياً حول الطرح والمضمون والتفصيل. وأضاف النمر أنه على المؤلفين عند كتابة العمل مراعاة أن يتناسب مع الدين الحنيف، وعادات وتقاليد المجتمع العربي، وأن تكون العائلة هي تصنيف ومقصد الكاتب، بحيث لا يمكن عرض عمل على شاشة التليفزيون لفئة معينة، وبالتالي فالمسؤولية تقع على الكاتب في أن تكون القضايا المطروحة مناسبة لكل العائلة.
الزبن: أهداف منتجي الدراما تحقيق أعلى أرباح وأعلى مشاهدة بعيداً عن القيم
شدد أستاذ علم اجتماع الجريمة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الدكتور إبراهيم الزبن، على أنه ينبغي النظر إلى دور التليفزيون وقنواته المختلفة وتأثيره على المجتمع، فهذا واقع يجب أن نتعايش معه، ونتفاعل مع مكوناته وبرامجه، ونتعامل بجدية مع ما يبث فيه من رؤى واتجاهات اجتماعية، فهو يشكل من خلال ما يبثه من صور ورسائل ومعانٍ بيئة تفاعلية تؤثر وتتأثر بالمحيط الذي حولها. وواقع هذه القنوات التليفزيونية يشكل المحور الأساس في عملية التفاعل، حيث يستقبل المشاهد كماً هائلاً من الرموز، سواء ظهرت في شكل إشارات، أو إيماءات، أو ألفاظ، أو ألوان، أو حركات معينة، ثم يعمل على تفسيرها، وتقييمها في ظل نسق القيم الثقافية والاجتماعية التي تكونت لديه أثناء عملية التنشئة الاجتماعية، مشكلاً في نهاية المطاف اتجاهاته الشخصية حيال الموضوعات المختلفة الموجودة في بيئته.
وإذا وصلنا إلى هذه القناعة، فإن ما يبث عبر القنوات التليفزيونية من برامج ومسلسلات هو انعكاس واقتباس من الواقع، وإن كانت ليست مطابقة لما يحدث فيه بشكل كامل، إلا أنها أفكار منبثقة من هذا الواقع المستمد من المجتمع الذي يشكل فيه المشاهد محور التفاعل الاجتماعي.
والأعمال التليفزيونية التي تمثل السلوك المنحرف في المجتمع، مثل السحر، والشعوذة، والجريمة بأنواعها المختلفة، من قتل واختطاف واغتصاب وسرقة وفساد، هي تمثيل للواقع الاجتماعي، وتصوير لأحداث وقعت بالفعل، وإن كانت الحبكة الدرامية تفرض مزيداً من الأحداث التي تشوق المشاهد لاستمرار المتابعة والتسمر لساعات طويلة أمام الشاشة لمتابعة التطورات ليعايشها بكل تفاصيلها، وكأنه جزء منها يتخيلها في واقعه الاجتماعي، فيتقمص الدور الذي يشاهده ويتخيله واقعاً يمارس حياته على ضوئه وقد يصل إلى مرحلة التأثر الكامل، فيتخيل نفسه يمر في المشاهد نفسها، حتى إنه قد يصل إلى مرحلة اتخاذ القرارات الهامة في حياته، وفقاً للأحداث التي تمر أمامه عبر حلقات المسلسل الذي أدمن مشاهدته. فقد وجد أن المشاهدين لهذه البرامج بمعدل غزير تكون معتقداتهم وآراؤهم مماثلة لتلك التي صورت على التليفزيون، بدلاً من العالم الحقيقي؛ مما يدل على تأثير مركب من تأثير ما يبث في القنوات التليفزيونية.
ومن الجوانب السلبية، فإن بعض ما يبث في هذه القنوات ينعكس سلباً على عقائد الناس وإيمانهم بالله، وخاصة عندما يكون أكثر من يتابعها هم الفئات العمرية الشابة الذين يفتقدون للخبرة والمعرفة بهذه القضايا والمشكلات، فيعتقدون بصحتها. ولذلك كان تأثر الشباب والأطفال بهذه القنوات الفضائية أكثر سلبيةً من غيرهم، فقد أحدثت تغييراً في الأفكار والسلوك والقيم الاجتماعية، بفضل قوة تأثيرها وقدرتها على التواصل والحوار والإقناع؛ لذلك تفطن القائمون على هذه المسلسلات، وركزوا في إنتاجهم على هذه النوعية من المسلسلات، وأنفقوا على إنتاجها المبالغ المالية الكبيرة، وجلبوا لتمثيلها أكثر الممثلين شهرة وقبولاً لدى المشاهدين. وكان الدافع الرئيسي لهم في ذلك هو تحقيق أعلى معدلات المشاهدة، لإقصاء القنوات المنافسة، وبالتالي تحقيق الأرباح الكبيرة من إنتاج وعرض وبيع هذه المسلسلات، بغض النظر عن آثارها السلبية على أفراد المجتمع. وأمام هذا الإنتاج الضخم، وهذه الأعداد المتزايدة من القنوات الفضائية، لا تستطيع الحكومات، أو الجهات الرسمية المعنية، أن تقف أمام هذا المد الإعلامي الغزير، حتى ولو كانت جهودهم تقف عند الانتقاء والحذف من مضامين هذه البرامج، لما لها من ضرر على القيم الدينية والاجتماعية والثقافية .
صحيفة الشرق السعودية الإلكترونية