شهد موسم الدراما الرمضاني لهذا العام غياب المسلسلات الإماراتية على الرغم من أن الدولة الخليجية تعد قبلة لتصوير المسلسلات العربية التي تبث على القنوات في هذا الموسم.
إذ تقدم الإمارات فرصاً تنافسية لكثير من الأعمال التلفزيونية دفعت مسلسلات مثل “العاصوف” الأكثر مشاهدة في السعودية لتصوير أجزاء كثيرة منه في أبوظبي، فضلاً عن المسلسلات السورية التي تبحث عن بيئة آمنة للعمل، وأيضاً المصرية والكويتية، مقابل غياب شبه تام للأعمال الإماراتية عن هذه الفرص.
عمل واحد صور في البحرين
وفي زحام المنافسة التلفزيونية قدمت الإمارات عملاً باسم “الزقوم”، من كتابة الإماراتي أحمد يعقوب المقلة، وإنتاج الإماراتي حبيب غلوم، بينما تم تصويره في البحرين.
هذا المشهد غير المنطقي أثار نقاشاً حول الجودة المنخفضة للأعمال بوصفها تقف وراء الغياب، فيما انبرى الممثلون للدفاع عن أنفسهم وإلقاء اللوم على القنوات المحلية التي لا تهتم بالأعمال الإماراتية، وأن الممثل الإماراتي مظلوم ولا يتحمل المسؤولية عن ذلك.
زامر الحي لا يطرب
وقال الكاتب الإماراتي خالد السويدي “نتفق بداية أن إنتاج المسلسلات الإماراتية شحيح جداً، ويتحمل ذلك عدد من مديري القنوات الفضائية الذين يقفون بالمرصاد لأغلب الأعمال باعتبارها أعمالاً لا تجذب المعلن ولا تقدم المردود المالي المطلوب، بينما على النقيض من ذلك تُفتح الأبواب لشركات الإنتاج غير الإماراتية، يقدمون لها أفضل العروض وأعلى الميزانيات، ليجد المنتج الإماراتي نفسه بين نار تقليص الميزانية واضطراره للاستعانة بأضعف الممثلين أو الجلوس دون عمل”.
وأضاف السويدي “المواهب الإماراتية موجودة في الساحة، وكل ما تحتاج إليه هو الدعم والثقة والإيمان بها، بالطبع يد واحدة لا تصفق ولن تصفق طالما يوجد مسؤولون ومديرون يؤمنون بالمثل القائل (زامر الحي لا يطرب) ” .
الفنان الإماراتي مهمش مقارنة مع الخليج
وأوضح الفنان الإماراتي سعيد سالم “لا يمكننا الحديث عن حركة درامية فعلية في الإمارات إلا في وجود إنتاجات حقيقية غزيرة لا تقل معدلاتها المتوسطة عن ثمانية إلى عشرة مسلسلات سنوياً، تعرض على قنواتنا المحلية على مدار العام، وهذا لايزال للأسف بعيد المنال، ما يجعلنا تواقين باستمرار إلى التطوير وغير قادرين على تحقيقه بأي شكل من الأشكال”.
وأشار إلى أن أزمة الدراما المحلية متعلقة بقرارات القنوات التلفزيونية المحلية ومدى استعدادها لتبني مختلف الأعمال المحلية ودعمها وإنتاجها، ومن ثم عرضها على مدار العام في ظل توافر الإمكانات الإنتاجية والميزانيات الخاصة بتطوير المنتج الفني المحلي والارتقاء بصناعته، مؤكداً أنه لتحقيق نهضة درامية فعلية يجب “إرساء دعائم شراكة حقيقية بين منتجي الإمارات والتلفزيونات المحلية، بحيث تكون عملية الإنتاج قائمة إما على اقتناء أعمال المنتجين الإماراتيين وعرضها أو إنتاجها بشكل كامل بميزانيات خاصة”.
يجب وضع ثقافة الإمارات ضمن الأولويات
وقال الفنان حبيب غلوم “أرى أن المشكلة الأزلية للدراما والفنون والثقافة بتفرعاتها العامة في الإمارات، متصلة بغياب إيمان مسؤوليها بدورها الريادي كقطاع له أهمية القطاعات المركزية الكبرى، وأستثني هنا الشارقة التي ازدهرت فيها الثقافة والفنون، عدا ذلك، أرى المشهد شبه خاو من الفعل الحقيقي، وهذا بحد ذاته كارثة فعلية يؤججها غياب المراهنات على هذا القطاع باعتباره روح أي جسد اجتماعي متوازن، وشرط أي تقدم طموح، وهذا ما يدفعنا باستمرار إلى مناشدة المعنيين بالقطاع في الحكومة بوضع قطاع الثقافة والفنون ضمن أولوياتهم، وتعيين مسؤولين من أهل الاختصاص وليس أشخاصاً لا علاقة لهم بالقطاع، وإلا فلن تقوم للفن ولا للثقافة قائمة أبداً”.
خطوات التطور بطيئة جداً
وقال الناقد الفني يسري زيدان، ليست أعمال الدراما الإماراتية وحدها التي تُعد على الأصابع، فهناك أيضاً الكتّاب الإماراتيون “الذين يسهل علينا حفظ أسمائهم عن ظهر قلب، فهم أيضاً يُعدون على الأصابع، وعلى الرغم من أن إبداعاتهم تتحدث عنهم، وخطواتهم محسوبة بدقة، إلا أن أعدادهم لا تزيد، وإن طرقنا باب مخرجي الدراما، نجد أنفسنا أمام المشكلة نفسها، ولكن بعدد أقل والاعتماد على المخرجين غير الإماراتيين أكبر بكثير”.
وأوضح زيدان “تطل علينا الدراما الإماراتية بعملين أو ثلاثة بينما المأمول منها كثير، تتجه الأنظار إليها كل عام لرؤية الجديد الذي ستطل به، لكن الخطوات تبدو بطيئة، وما يُعرض قليل”.
وأشار زيدان “من يعلم إمكانات مختلف إمارات الدولة من حيث مواقع التصوير من جهة، وقدرات الممثل الإماراتي الحقيقية من جهة أخرى، سيعلم أننا بصدد نتيجة غير منطقية، فالإمارات قبلة المنتجين، ومؤهلة لما هو أبعد من ذلك”.
التلفزيون يشترط الأسماء المشهورة
وأكد الكاتب المسرحي والإذاعي والدرامي الإماراتي يوسف يعقوب، أن أهداف التلفزيونات الإماراتية أصبحت تجارية، وقال “ليس لدى تلفزيوناتنا أقسام لإدارة الدراما، وقد اتخذت من إدارات الإنتاج بديلاً عنها، وهذه الإدارات لا تقتنع إلا بأسماء معينة أصبحت معروفة لدى الجميع، فمن شروط التلفزيون وجود كاتب معروف وفنان نجم ومنتج مشهور، لأنهم يجلبون الإعلانات، ولكن السؤال الأهم: كيف سيصبح اسم الكاتب معروفاً إن لم يعط الفرصة ليثبت نفسه؟”.
وتحسر يعقوب على حال التلفزيونات الإماراتية، قائلاً “للأسف، ألغت تلفزيوناتنا قسماً مهماً كان بإمكانه أن يكون رافداً للإبداع، وإدارات الإنتاج لا تتبنى الأعمال والإبداعات الجديدة، ولو تفتح التلفزيونات المجال من خلال إنتاجها لعمل واحد سنوي غير تجاري، تعطي فيه الفرصة للوجوه الجديدة فلن تخسر شيئاً، بل ستكسب كثيراً”.
وذكر يعقوب أن الكويت احتضنت مسلسله “وتبقى الجذور” في حين لم تقبله التلفزيونات الإماراتية، وقال “نظروا في الكويت لقوة العمل، ولكن حين تقدمت بهذا المسلسل لإحدى المحطات سألني مدير الإنتاج من أكون؟” .
وأضاف “حز في خاطري أني جلست لمدة شهر أغير المصطلحات من إماراتية لكويتية، وبعض العادات التي تختلف بين الإمارات والكويت، فقد كتبته بلغة حوارينا القديمة، وكان يجب أن أغير فيه لأعطيه الطابع الذي يناسب البيئة الكويتية” .