أتمنى لو تقوم بعض الجهات البحثية بتقديم دراسات موثقة عن علاقة المشاهد بالتلفزيون، وأعني هنا المشاهد السعودي في المقام الأول حتى يعرف ما يريد فيقدم له . فمن المعلوم أن القنوات التلفزيونية الرسمية والخاصة تبذل مئات الملايين في الإنتاج سنوياً وهي تنتج بناء على تصورات أن ما تقدمه هو ما يحتاجه المشاهد ولكنها لا تعلم حقيقة إن كان هذا ما يريد أم أن له مطالب أخرى ولهذا فهي في حاجة ماسة إلى الدراسات التي توضح لها حجم المتابعة لها كقناة وحجم المتابعة لما تقدمه من برامج وفق تصنيفها .
غياب الجهات البحثية جعل بعض القنوات تعتقد أن ما يصل إليها من وكيلها الإعلاني هو أمر مسلم به لرغبات المشاهدين وهذا الكلام غير صحيح فالوكيل الإعلاني ليس مؤشراً على دقة توجهات الجمهور، ولهذا فعلى القنوات التلفزيونية أن تلجأ إلى جهة محايدة تقدم لها الدراسات التي تعرفها برغبات المشاهدين وتساعدها على تحديد ما تقدمه من مواد برامجية ودرامية وغيرها حتى يكون استثمارها في الإنتاج مبنيا على أسس تحقق لهذا الإنتاج النجاح وهذا يجنبها إنفاق عشرات الملايين على أعمال قد لا تحظى بنسب مشاهدة.
ومن خلال تجربتي في الإنتاج والتعامل مع القنوات لم أسمع يوماً أن قناة طلبت من المنتجين الاهتمام بتقديم إنتاج برامجي أو درامي موجه لفئة عمرية معينة ويركز على معالجة موضوعات محددة تلقت القنوات ما يفيد أن الاهتمام بها سيزيد من وعي المجتمع ويحقق أهدافا تربوية أو تنموية أو غيرها مما يسعى أي مجتمع لتحقيقيه.
ولعلي هنا أذكر على سبيل المثال ان الإنتاج الكرتوني في اليابان لا يتم بشكل عشوائي بل ينتج بناء على دراسات فقد يكون محوره في هذا العام لعبة من الألعاب الرياضية التي تهتم اليابان بالتعريف بها وبقواعدها وحث الأطفال على لعبها ولهذا تأتي تلك المسلسلات (التي تبث أسبوعيا وليس بشكل يومي كما هو الحال عندنا) لتحقق الأهداف التي رسمت من أجلها.
لو كانت لدينا جهات بحثية ترصد ما الذي يهم الشباب أو كبار السن أو ربات البيوت أو الموظفين والموظفات وغيرهم من شرائح المجتمع وبشكل تفصيلي أكثر لتم توجيه الإنتاج بما يتوافق وتلك الاهتمامات ولكان للبذل في الإنتاج مردوه المعنوي في المقام الأول والمادي كنتيجة حتمية لذهاب المعلن لما يحظى بأكبر نسبة من المشاهدة.
ولعلنا نتساءل من هي تلك الجهات البحثية؟ والإجابة أنها قد تكون جهات ربحية تقدم الدراسات بناء على ما يطلب منها وهي غير موثوقة في كثير من الدراسات لخضوعها لسطوة المعلن ولهذا فمن الأفضل اللجوء إلى الجهات المحايدة غير الربحية كالجامعات وبالتعاون مع مؤسسات المجتمع لمتعددة ويكون بينها تنسيق تام حتى لا يتم تكرار الموضوعات. وستكون تلك الدراسات مرشدا وموجها للإعلام المرئي والمسموع في تحقيق رغبات المجتمع وحتى ذلك الحين سيبقى كل منتج يروج لمنتجه قائلا انه سيعالج مشاكل المجتمع بينما الحقيقية اننا نحتاج إلى من يرشدنا إلى ما هي مشاكل المجتمع تحديدا وما هو المطلوب لطرحها حتى يمكن تحديد شكل العلاج سواء عبر الإنتاج البرامجي أو الدرامي وعندها لن يكتب أي كاتب نصا إلا مستندا إلى دراسات وساعيا إلى تحقيق نتائج يعول عليها حتى يكون لإنتاجه قيمة يستفيد منها المجتمع الذي دفع ثمن هذا الإنتاج ولهذا سنبقى نشاهد أعمالا أفكارها من الرأس حتى يتم تعبئة الكراس .
بقلم : ماضي الماضي | صحيفة الرياض السعودية الإلكترونية